آخر المواضيع

mercredi 11 février 2015

février 11, 2015

التربية بين طموح الآباء وواقع الأبناء

كان الناس وما زالوا يستبشرون ويتفاخرون بكثرة الأبناء ويراودهم حلم بأن يرزقهم الله ذرية طيبة حسني الخلق والخلقة، يتحلون بعقيدة سليمة صلبة وعبادة خاشعة وخلق أصيل وبعقول متفتحة واعية ونفسيات مستقرة وأجسام قوية ومعرفة بواقع الحياة وظروف العصر وبنفس تفيض خيراً وطهراً وعطاءً. فهل يحقق الأبناء ذلك ؟

واقع الأبناء:
إن واقع الأبناء نستشفه مما نراه بأعيننا وما نسمعه من أغلب الوالدين فاليوم لا تكاد تجلس إلى أحد إلا وهو يشكو سلبية سلوك أبنائه ويخشى عليهم من هجمة الفساد وأهله، وأصبح الأبناء مصدر قلق في كثير من البيوتات،..
وانطلق كثير من الناس يبحث عن الوقاية والحل ويسأل هنا وهناك. ومما يمكن أن تلمسه من سلوكيات الأبناء وتسمعه من شكاوى مريرة من الكثير من الأهالي ما يلي:
ولدي / ابنتي لا تفهمني.
لا يطيعني.
شخصية غير جادة.
يميل إلى الشلل ويصدق أقوالهم.
لا يحب العمل.
لا يقيم وزناً للعلم والدراسة.
لا يحرص على أداء الصلاة.
يتعلق بتوافه الأمور ويسير في الحياة بدون هدف.
لا يتذكر ولا يتعظ.
يهتم بمظاهر الترف.
يسهر في الليل وينام في النهار.
عنيف على إخوانه.
كثير الصراخ سريع الغضب.
لا يجلس مع الرجال ولا يخدم الضيف.
كثير الكذب والتحايل.
يرى نفسه في البيت كأنه غريب فلا يكاد يدخل حتى يخرج.
يعتبر طلباته ملزمة لوالديه ولا يصرح لهم بشيء عند مناقشته.
لا يثق بقدراته بل لا يعرفها.
يستهتر في الناس.
يكثر من الحديث في الهاتف.
لا تهتم بالحجاب.
تحاكي الغرب في لبسها وفكرها.
تمضي كثير من الوقت في زينتها.

إذا كان هذا هو واقع الأبناء بناءً على شهادة والديهم، فما هو واقع الوالدين؟
إذا تفحصنا أسباب فساد الأبناء وجدنا أن عامته بسبب الوالدين أو لهم اليد الأطول فيه.فالأبناء ما بين محروم من متع الحياة وضرورياتها، وأخر ربما حصل على حاجته الجسمية فقط وحرم ما عداها لانشغال والديه أو أنانيتهما أو لعدم وعيهما بأهمية دورهما وأثرهما في حياة أبنائهم..
قال ابن القيم  رحمه الله -: "كم ممن أشقى ولده، وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه ففاته انتفاعه بوالده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة".

ولتوضيح ما أقصد بذلك سأعرض بعض الأساليب التربوية الخاطئة الممارسة من قبل بعض الوالدين والتي قد تكون ساهمت في سلبية سلوك الأبناء:
الصرامة والشدة والقسوة عليهم أكثر من اللازم إما بضربهم ضرباً مبرحاً إذا أخطئوا أو بكثرة تقريعهم وتأنيبهم عند كل صغيرة وكبيرة. يعتبر علماء التربية والنفسانيون هذا الأسلوب أخطر ما يكون على الطفل إذا استخدم بكثرة. فالحزم مطلوب في المواقف التي تتطلب ذلك. أما العنف والصرامة فيزيدان المشكلة تعقيداً، كما أن الصرامة والشدة تجعل الطفل يخاف ويحترم المربي في وقت حدوث المشكلة فقط، ولكنها لا تمنعه من تكرار السلوك مستقبلاً.. وقد يعلل الكبار قسوتهم على الطفل بأنهم يحاولون دفعه إلى المثالية في دراسته وسلوكه، ولكن هذه القسوة قد تأتي برد فعل عكسي

الدلال الزائد والتسامح في التعامل مع الأبناء. هذا الأسلوب في التعامل لا يقل خطورة عن القسوة والصرامة. فالمغالاة في الرعاية والدلال سيجعل الطفل غير قادر على تكوين علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين أو تحمل المسؤولية ومواجهة الحياة لأنه لم يمر بتجارب كافية ليتعلم منها كيف يواجه الأحداث التي قد يتعرض لها. ولا يقصد بذلك أن يفقد الوالدان التعاطف والرحمة مع الطفل، ولكن هذه العاطفة تصبح أحياناً سبباً في تدمير الأبناء حيث تجعل الطفل يعتقد أن كل شيء مسموح في طفولته وبين أسرته،ولكن إذا ما كبر وخرج إلى المجتمع صعب عليه التعامل مع القوانين والأنظمة التي تمنعه من ارتكاب بعض التصرفات ويثور في وجهها وقد يخالفها دون مبالاة ضارباً بالنتائج السلبية المترتبة على سلوكه عرض الحائط وهذا كثيراً ما يحدث في مجتمعنا.

عدم الثبات في المعاملة. فعلى الكبار أن يضعوا الأنظمة البسيطة واللوائح المنطقية ويشرحونها للطفل وعندما يقتنع فإنه سيصبح من السهل عليه اتباعها. ويجب عدم التساهل يوماً ما في تطبيق قانون ثم نعود اليوم التالي مؤكدين على ضرورة تطبيقه حيث أن ذلك سيربك الطفل ويجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض.

عدم العدل بين الأخوة نتيجة للفروق الفردية بينهم. فمنهم من هو أكثر ذكاءً أو أكثر وسامة أو أكثر تحبباً لوالديه وقد يجد الوالدين هذه الصفات محببة لديهم وينجذبون لمن يمتلكها من أبنائهم أكثر من أخوتهم الآخرين. ولكن هذا خطأ كبير وقد يؤذي بقية الأطفال نفسياً.

تربية الأبناء على الفوضى وتعويدهم على الترف والنعيم والبذخ فينشأ الأبناء مترفين منعمين همهم أنفسهم وحسب ولا يهتمون بالآخرين ولا يسألون عن إخوانهم المسلمين ولا يشاركونهم أفراحهم وأتراحهم. وفي ذلك فساد للفطرة وقتل للاستقامة والمروءة والشجاعة.

شدة التقتير عليهم أكثر من اللازم مما يجعلهم يشعرون بالنقص ويحسون بالحاجة وربما قادهم ذلك إلى البحث عن المال بطرق أخرى غير سوية كالسرقة مثلاً أو سؤال الناس أو الارتماء في أحضان رفقة السوء وأهل الإجرام.

حرمانهم من الحب والعطف والشفقة والحنان المتوازنة، مما يجعلهم يبحثون عن ذلك خارج المنزل.

الاهتمام بالمظاهر فحسب، فكثير من الناس يعتقد أن حسن التربية يقتصر على توفير الطعام الطيب والشراب الهنيء والكسوة الفخمة والدراسة المتفوقة والظهور أمام الناس بالمظهر الحسن. ولا يرون أن تنشئة الأبناء على التدين الصادق والخلق القويم أمرا مهما.

المبالغة في إحسان الظن بالأبناء حيث أن بعض الأسر تبالغ في إحسان الظن بأبنائهم فلا يسألون عنهم ولا يتفقدون أحوالهم ولا يعرفون شيئاً عن أصحابهم.

المبالغة في إساءة الظن بالأبناء، فمن الوالدين من يسيء الظن بأبنائهم ويبالغون في ذلك مبالغة تخرجه عن الحق فتجده يتهم نواياهم ولا يثق بهم أبداً ويشعرهم بأنه خلفهم في كل صغيرة وكبيرة دون أن يتغاضى عن شيء من هفواتهم.

مكث الوالدين أو أحدهما خارج المنزل طويلاً مع عدم قدرة الطرف الآخر على تغطية هذا النقص، مما يعرض الأبناء للفتن والمصائب والضياع والانحراف.

الدعاء على الأبناء حيث يلاحظ أن كثير من الوالدين من يدعو على أبنائه لأدنى سبب أو بمجرد أن يجد منهم عقوقاً أو تمرداً والذي لربما كان الوالدان سبباً فيه، وما فكر الوالدان أن هذا الدعاء ربما وافق ساعة إجابة فتقع الدعوة موقعها فيندمان بعد فوات الأوان وقد تناسيا في ذلك قوله  صلى الله عليه وسلم -: "لا تدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاءً فيستجاب لكم".رواه مسلم.

كثرة المشاكل بين الوالدين وما له من تأثير سلبي على الأبناء.

التناقض بين القول والفعل من الوالدين أو أحدهماأمام الأبناء. فترى منهم من يأمر ابنه بالصدق ويكذب ويأمره بالوفاء وهو يخلف ويأمره بالبر وصلة الأرحام وهو عاق قاطع لرحمه، أو ينهاه عن شرب الدخان وهو يشربه !

الغفلة عما يشاهده الأبناء في التلفاز وقنواته الفضائية على اختلافها أو الانترنت وما تحويه من مواقع أو ما يقرؤوه أو يسمعوه من الوسائل الإعلامية المختلفة.

العهد للخادمات والمربيات بتربية الأبناء. وهذا أمر خطير خاصة إذا كانت المربية كافرة فذلك مدعاة لانحراف الأبناء وفساد عقائدهم وأخلاقهم.

احتقار الأبناء وقلة تشجيعهم ولذلك مظاهر عدة منها:
أ إسكاتهم إذا تحدثوا، والسخرية بهم وبحديثهم مما يجعل الابن عديم الثقة بنفسه، قليل الجرأة في الكلام والتعبير عن رأيه.

ب - التشنيع بهم إذا أخطئوا أو لمزهم إذا أخفقوا في موقف أو تعثروا في مناسبة مما يولد لديهم الخجل والهزيمة.

ج - ازدرائهم إذا استقاموا فتجد من الوالدين من يحتقر أبنائهم إذا رأوا منهم تقى أو صلاحاً واستقامة أو اتهام الأبناء بالتزمت والتشدد في الدين والوسوسة مما يجعلهم يضلون وعلى أعقابهم ينكصون فيصبحون بعد ذلك عالة على والديهم.

* تربيتهم على عدم تحمل المسؤولية، إما لإراحتهم أو لعدم الثقة بهم أو لعدم إدراك أهمية هذا الأمر.

قلة الاهتمام بتعليم أبنائهم سواء ما يتعلق بالتعاون مع مدارسهم ومتابعة مستوى أبنائهم التعليمي ومدى التزامهم، أو ما يتعلق باختيار مدارسهم

سبل العلاج:
بعد ذكر بعض الأمثلة لواقع الأبناء وواقع الوالدين ربما يتساءل الواحد منا وما الحل أو المخرج من هذا المأزق ؟ لذلك سأذكر بعض السبل المعينة على حسن تربية الأبناء منها ما يلي:
صلاح الأبوين ومن ذلك العناية باختيار الزوجة الصالحة. و سؤال الله الذرية الصالحة فهو دأب الأنبياء والمرسلين والصالحين.

الإخلاص والاجتهاد في تربية الأبناء والاستعانة بالله عز وجل في ذلك وهو منهجإبراهيم عليه السلام وامرأة عمران. وإعانة الأولاد على البر وحسن الخلق.

الدعاء للأبناء وتجنب الدعاء عليهم. فإن كانوا صالحين دعا لهم بالثبات والمزيد، وإن كانوا طالحين دعا لهم بالهداية والتسديد.

غرس الإيمان والعقيدة الصحيحة والقيم الحميدة والأخلاق الكريمة في نفوس الأبناء وخير مصدر لذلك هو الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح.

تجنيبهم الأخلاق الرذيلة وتقبيحها في نفوسهم، فيكره الوالدان لأبنائهم الكذب والخيانة والحسد والحقد والغيبة والنميمة وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام والأثرة ولكسل والتخاذل وغيرها من سفاسف الأخلاق والأفعال حتى ينشأوا مبغضين لها نافرين منها.

تعليمهم الأمور المستحسنة وتدريبهم عليها مثل تشميت العاطس، وكتمان التثاؤب والأكل باليمين وآداب قضاء الحاجة وآداب السلام ورده وآداب استقبال الضيوف والتعاون والبحث عن المعرفة.... فإذا تدرب الأبناء على هذه الآداب والأخلاق والأمور المستحسنة منذ الصغر، ألفوها وأصبحت سجية لهم في سني عمرهم القادمة.

الحرص على تحفيظهم كتاب الله. وتحصينهم بالأذكار الشرعية وتعليمهم إياها. واصطحابهم في رحلات إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة وإلى مجالس الذكر والمحاضرات الدينية التي تقام في المسجد وغيرها وربطهم في ذلك بالسلف الصالح حتى يقتدوا بهم ويسيروا على خطاهم.

الحرص على تعليمهم بالقدوة فلا يسلك الوالدان أو أحدهما مسلكاً يناقض ما يعلمهم ويحثهم عليه لأن ذلك يجعل جهودهم لا تحقق ثمارها ويفقد نصائحهم أثرها.

تنمية الجرأة الأدبية وزرع الثقة في نفوس الأبناء وتعويدهم على التعبير عن آرائهم حتى يعيش كل منهم كريماً شجاعاً في حدود الأدب واللياقة.

ومن الممارسات المعينة على ذلك:
أ - استشارة الأبناء في بعض الأمور المتعلقة بالمنزل ونحوه واستخراج ما لديهم من أفكار مثل أخذ رأيهم في أثاث المنزل ولون السيارة المزمع شرائها للأسرة ومكان الرحلة والتنسيق لها مع طلب أن يبدي الطفل أسباب اختياره لرأي ما.

ب - تعويد الأبناء على القيام ببعض المسؤوليات كالإشراف على أمور واحتياجات الأسرة في حال غياب الأب أو انشغاله.

ج - تعويدهم على المشاركة الاجتماعية وذلك بحثهم على المساهمة في خدمة دينهم ومجتمعهم وإخوانهم المسلمين إما بالدعوة إلى الله أو إغاثة الملهوفين أو مساعدة الفقراء والمحتاجين

د - تدريبهم على اتخاذ القرار وتحمل ما يترتب عليه. فإن أصابوا شجعوا وشد على أيدهم وإن أخطأوا قوموا وسددوا بلطف.

هـ - تخصيص وقت الجلوس مع الأبناء مهما كان الوالدان مشغولين فلا بد من الجلوس الهادف معهم لمؤانستهم وتسليتهم وتعليمهم ما يحتاجون إليه فهذه الجلسات الهادفة لها من الآثار الجانبية ما لا حصر له من الشعور بالاستقرار والأمن وهدوء النفس والطباع.

و - الإصغاء إليهم إذا تحدثوا وإشعارهم بأهميتهم وأهمية ما يقولون مهما كان تافهاً في نظر الوالدين وقد قيل أنصت لأبنائك ليحسنوا الإنصات لك.

تفقد أحوالهم ومراقبتهم عن بعد، ومن ذلك ملاحظة مدى أدائهم للشعائر الدينية، السؤال عن أصحابهم، مراقبة الهاتف وملاحظة مدى استخدامهم له، ملاحظة ما يقرؤونه أو ويشاهدونه في التلفاز أو يتعاملون معه في الانترنت وتحذيرهم من الكتب والبرامج والمواقع التي تفسد دينهم وأخلاقهم وإرشادهم إلى بدائل نافعة.

تهيئة الظروف المناسبة لإحاطة الأبناء بالصحبة الصالحة وتجنيبهم رفقة السوء، خاصة في مرحلة المراهقة. وإكرام الصحبة الصالحة للأبناء.

التركيز على إيجابيات الأبناء وإظهارها والإشادة بها وتنميتها، والتغافل - لا الغفلة - عن بعض ما يصدر من الأبناء من عبث أو طيش والبعد عن تضخيم الأخطاء بل عليهم أن ينزلوها منازلها ويدركوا أن الكمال لله وحده.

إعطاء الأبناء فرصة لتصحيح أخطائهم لينهضوا للأمثل ويتخذ الوالدين من ذلك الخطأ سبيلاً لتدريب الأبناء على حل مشاكلهم.

العناية باختيار المدارس المناسبة للأبناء والحرص على متابعتهم في المدارس.

تنمية مهاراتهم العقلية مثل التفكير الناقد والتحليل للأمور وإدراك النتائج المترتبة على سلوكياتهم وتحمل مسؤوليتها.

ربطهم بما يجري في مجتمعهم وفي العالم من أحداث، ومناقشتهم وتوضيح دورهم الإيجابي الذي ممكن أن يساهموا به عزة للإسلام والمسلمين وعزة لوطنهم.

ضرورة إدراك الوالدين أن استخدام أسلوب الانغلاق في التربية بهدف حماية الأبناء مما يحيط بهم من مؤثرات قد لا يجدي على المدى الطويل، لأن المؤثرات الخارجية أصبحت أمر لا مفر منه.والمقترح هو استخدام أسلوب الانفتاح الموجه في التربية.

عدم اليأس فإذا ما رأى الوالدين من أبنائهم إعراضاً أو نفوراً أو تمادياً فعليهم ألا ييأسوا من صلاحهم واستقامتهم فاليأس من روح الله ليس من صفات المؤمنين. وتذكير الوالدين أنفسهم بضرورة عدم استعجال النتائج. بل عليهم الصبر والمصابرة مع الاستمرار في العمل والدعاء لهم والحرص عليهم فقد يستجيب الله لهم بعد حين.

أن يدرك الوالدين أن النصح لا يضيع. فهو بمثابة البذر الذي يوضع في الأرض والله عز وجل يتولى سقيه ورعايته وتنميته.فالنصح ثمرته مضمونة بكل حال: فإما أن يستقيم الأولاد في الحال، وإما أن يفكروا في ذلك وإما أن يقصروا بسببه عن التمادي في الباطل أو أن يعذر الإنسان إلى الله.

استحضار فضائل التربية في الدنيا والآخرة هذا مما يعين الوالدين على الصبر والتحمل. فإذا صلح الأبناء كانوا قرة عين لهم في الدنيا وسبباً لإيصال الأجر لهم بعد موتهم. ولو لم يأت الوالدين من ذلك إلا أن يكفي شرهم ويسلم من تبعتهم.

* استحضار عواقب الإهمال والتفريط في تربية الأبناء والتي منها أن الوالدين لن يسلما من أي أذى يرتكبه الأبناء في الدنيا وسيكونون سبباً لتعرضهم للعقاب في الأخرى.



février 11, 2015

مكافأة الجاحدين لآبائهم



مكافأة الجاحدين لآبائهم: الحجر يدق ناقوس الخطر

*    *    *
كثرت في الفترة الأخيرة قضايا حجر الأبناء على الآباء والأمهات؛ مما يؤكد أن الروابط الأسرية في خطر، ومن المحزن أن الغالبية العظمى من هذه القضايا أثبت القضاء أنها كيدية ورفضها؛ إلا أن هذا لم يوقف مؤامرات الأبناء على ذوي الفضل عليهم بعد الله سبحانه وتعالى، من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي ندق فيه ناقوس الخطر قبل أن تتفشى هذه الظاهرة التي تهدد المجتمع بالانهيار.

في البداية نعرض لنماذج صارخة من قضايا الحجر، التي نشرتها وسائل الإعلام وأثارت ردود فعل صارخة:
أم ثرية لأحد المحافظين تآمر عليها أبناؤها الأربعة برئاسة المحافظ، ونجحوا في الحصول على حكم بالحجر عليها على الرغم من أنها متزنة عقليّاً، وبعد الحكم أستيقظ ضمير الأخ الأصغر وقام بفضح مؤامرة أخوته، وأخذ ينشر المؤامرة في وسائل الإعلام، إلا أن نفوذ المحافظ آنذاك جعل صرخات أخيه تذهب أدراج الرياح.

رجل أعمال شهير جداً كانت له صولات وجولات في مجال المقاولات في مصر والوطن العربي، وانتهى به الأمر أن قام أبناؤه بالحجر عليه ومنعوه من أي تصرف في أمواله الطائلة، وبعد وفاته بسنوات أفلست الشركة وتحولت مكاسبها الطائلة إلى خسائر بالجملة.
أب نذر حياته لابنته الوحيدة بعد وفاة أمها، ورفض الزواج بأخرى حتى لا يظلمها، أو يأتي لها بزوجة أب تنغص حياتها، وبعد أن كبرت وتزوجت بأحد المشاهير، قررت الحجر على والدها المسكين، ومنعته من التصرف في أمواله بعدما رفض أن يكتب لها كل ثروته ويحرم بقية الورثة من نصيبهم الشرعي، انهار الأب من تصرف ابنته التي قابلت الوفاء بالجحود، وأصيب باكتئاب نفسي، ودخل أحد المصحات بعد أن استولت وحيدته على ثروة عمره.
اتفقت البنات الأربع وأزواجهن على الحجر على والدتهن التي ضحت بحياتها من أجلهن؛ حيث توفى والدهن وهن في سن الزهور، ورفضت كل إغراءات الزواج، وأفنت شبابها من أجلهن، وكان الجزاء هو الجحود وقسوة القلب،الذي أصبح كالحجارة بل أشد قسوة، وذهبت الصدمة بأعصاب الأم وذهب عقلها، ودخلت مستشفى الأمراض العقلية.

* أرقام مخيفة:
نظراً للزيادة المستمرة في أعداد قضايا الحجر أعد المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية دراسة، أكد فيها أن عدد قضايا الحجر في تزايد مستمر؛ مما يؤكد أن الخلل مازال قائماً بل وفي تزايد، وفي مدينة القاهرة وحدها شهدت محاكمها خلال عام 2003 أكثر من 2000 قضية حجر، زادت في عام 2004 لتصل إلى 2900قضية، وفي عام 2005 وصل العدد إلى 3289، وهذا مؤشر خطير، وخاصة إذا عرفنا أن غالبية هذه القضايا ثبت أنها كيدية، وقام الأبناء برفعها على الآباء والأمهات طمعاً في ثرواتهم، أو الكيد لبقية الورثة، حيث تسبق قضية الحجر محاولات مستميتة لإجبار الأب أو الأم على التنازل برضاه إلا أنه يرفض ذلك، لأنه مازال بكامل قواه العقلية، أو يقومون بتحريضه لكتابة الميراث لمجموعة من الورثة وحرمان الباقي، وعندما يرفض هذه المؤامرات، فإن مصيره الوحيد والحتمي من وجهة نظر هؤلاء البنات والأبناء العاقين هو الحجر، الذي وصل لدرجة من القسوة أن الأبناء رفضوا استلام جثة أمهم بعد وفاتها، وقد كانت ثرية وفرضوا الحجر عليها، وأودعوها داراً للمسنين المجانية الحكومية، ولم يزوروها لسنوات، وعندما أبلغتهم دار المسنين بوفاتها ردوا جميعاً:"أدفنوها في مقابر الصدقة؛ لأننا ليس لدينا وقت للحضور وأخذ الجثة وإقامة عزاء ".

وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن أكثر من 93% من قضايا الحجر كيدية تصدى فيها القضاء لمؤامرات الأبناء، وأنصف الآباء إلا أن محاولات الأبناء لرفع دعاوى جديدة والتشكيك في الحكم الصادر لصالح آبائهم وأمهاتهم يتطلب وقفة للتصدي لهذه المؤامرات الشيطانية التي يتفنن فيها شياطين الأنس أكثر من شياطين الجن.

* الردع القانوني:
عن العقاب القانوني لقضايا الحجر وضوابطها يقول الدكتور عبد الله النجار- الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر-: الحجر منصوص عليه في الشريعة الإسلامية لمن يسيء استخدام ماله، ويضر بنفسه وبالآخرين، ولهذا فإن الحجر هنا يكون وسيلة حماية وليس عقوبة، أما مفهومه القانوني فهو: المنع من التصرف في الأموال لطوائف معينة كالمجنون أو السفيه؛ حيث يقوم المتضرر من التصرفات غير المسؤولة لصاحب المال برفع دعوى حجر لمنعه من إضاعة ماله فيما لا يفيد؛لأنه يضر بالآخرين وأصحاب الحق في الميراث، والحكم بالحجر على الآباء والأمهات أو حتى الأبناء والأشقاء هو من سلطة القاضي وحده الذي يدرس القضية من كل جوانبها، ويصدر في النهاية حكمه بناء على ما تطمئن إليه نفسه،وإذا تأملنا كل التشريعات العربية لوجدنا فيها بنوداً خاصة بالحجر، والشروط الواجب توافرها في أي إنسان حتى يتم الحجر عليه هيشروط مشددة حتى لا يحدث تلاعب؛ لهذا نجد الغالبية العظمى من دعاوى الحجر يرفضها القضاء ويصفها بأنها: "دعاوى كيدية".

يقترح تشديد العقوبة القانونية على أصحاب الدعاوى الكيدية؛ حتى يتم التصدي لكل من تسول له نفسه ظلم أقرب الناس إليه وهم الآباء والأمهات، وفي هذا التشديد للعقوبة حتى ولو وصلت إلى حد الحرمان من الميراث فإن كل من يفكر في الإقدام على هذه الخطوة سيفكر ألف مرة؛ حتى لا يعرِّض نفسه للسجن والحرمان من تحقيق مبتغاه وهدفه الخبيث، وحقاً "إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن"، وللعلم فإن الحجر لا يحرم المحجور عليه- في معظم الحالات-كل ماله وإنما يتم تخصيص جزء من المال للأنفاق عليه وكأنه قاصر، في حين تسند إدارة الأموال لمن صدر لصالحهم الحكم القضائي الذي يتم اتخاذه بعد إجراءات صارمة، إلا أن المحسوبية وعدم الضمير من بعض القضاة قد تجعله يصدر حكماً بالحجر على من لا يستحق هذا الأمر القاسي على النفس.

* تدمير المجتمع:
وعن الآثار الاجتماعية لانتشار قضايا الحجر الذي لا يستند إلى أسس سليمة قال الدكتور أحمد المجدوب - أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية-: لا شك أن غياب التنشئة الإسلامية وكذلك التدليل أو الحرمان الزائد يؤديان لنفس النتيجة، وهى عدم وجود أسوياء من بين الأولاد، الذين يطمعون في الاستمتاع بما في يد أبيهم أو أمهم دون احترام أية مشاعر إنسانية؛ حيث سيطرت عليهم الأنانية، وتكون النتيجة الحتمية لذلك هي تدمير الروابط الأسرية، وفقدان الثقة في الأبناء والبنات الذين قد يضطرون إلى "جرجرة" آبائهم وأمهاتهم في المحاكم،ولهذا فإن على مؤسسات الإعلام والتعليم والتثقيف دوراً في إعادة الهيبة المفقودة للوالدين وانشغال الجميع بجمع المال.
وقد لاحظت أن غالبية من رُفِعَت عليهم قضايا حجرهم ممن يسيئون معاملة الأبناء والبنات بدرجات متفاوتة، أو يشعرون بأن وجود الآباء والأمهات عقبة في سبيل تحقيق أحلامهم، ولهذا فإن قطار مطامعهم يسير، ويقتل كل من يعترض طريقه، حتى لو كان أعز الناس إليهم.
وفي بعض الحالات يتحمل الآباء والأمهات المسؤولية عما جرى لهم لأن هذا ما جنته أيديهم من حق أنفسهم وأسرهم حيث ينشغل الآباء والأمهات عن تربية ومراقبة أبنائهم وتركوا لهم الحبل على الغارب.

* الحرمان من الجنة:
وعن حكم الشرع في هذه القضايا وهل من يرفع قضية حجر عاقاً لوالديه يقول الدكتور علي جمعة - مفتي مصر والأستاذ بجامعة الأزهر-: من الخطأ الحكم بأن كل من يرفع قضية حجر على خطأ بإطلاق، أو أن كل أب أو أم لا يتق الله في أمواله وينفقها في غير مصارفها الصحيحة، ويهدد سلوكه هذا بتبديد الثروة ويحرم الآخرين من حقوقهم، فمثل هذا يكون الحجر في صالحه، وذلك لأن هناك توجيهاًإلهيّاً بألا نعطي السفيه أموالاً، حتى لا يبددها فيما يضر بنفسه والمجتمع، فقال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [النساء:5].
وأوضح أن الفقهاء اختلفوا في الحكم، فمنهم من يرى الحجر يتم على الصبي والمجنون، وهناك من يرى أن الحجر على البالغ العاقل الذي يتصرف تصرفات من شأنها ضياع الثروة وإلحاقه الضرر بالأمة،واختلاف الفقهاء هنا منطلق من المحافظة على أموال بقية أفراد الأسرة والتصدي لأية تجاوزات قد تحول المال من نعمة إلى نقمة.

* من الكبائر:
عن الفرق بين عقوق الوالدين والحجر، وهل يعتبر الحجر عقوقاً؟ قال الشيخ عبد الحميد الأطرش- رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف-: من الخطأ تعميم الأحكام وإنما لكل مسألة حكمها المستقل،وإذا كان الله قد توعد العاقين، وجعل العاق أحد ثلاثة تكفل الله بعدم دخولهم الجنة، وأن ينزل عليه عقوبة في الدنيا والآخرة، بل إن تقصير الوالدين في التربية لا يبرر إهانتهم أو التقليل من شأنهم،وإذا كان الله قد وضع ضوابط شرعية في معاملة الوالدين؛ فينبغي البعد عن وساوس الشيطان الذي يريد إهلاك أمتنا؛ حيث قال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً}[الإسراء:23- 25].

ولابد من تطبيق القاعدة الشرعية حتى يحرم الطامع بغير هدف ميراث أبيه أو أمه، بأن من أستعجل أن يرث يحرم من الميراث، ويجب أن يتجرد القاضي من كل مشاعر الرحمة بهؤلاء الأبناء، وخاصة أنه ليست هناك عقوبة محددة في الدنيا، وإنما من حق القاضي استخدام حقه في العقوبات التعذيرية الرادعة الزاجرة، التي تردع ذوي النفوس المريضة.

لأن من عق أباه أو أمه فإن النار مصيره إلى أبد أبدين، لأن العقوق من الكبائر ويُعَجِّل الله بعقوبة العاق في الدنيا قبل الآخرة ولهذا قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: " بروا آباءكم تبركم أبناؤكم".



février 11, 2015

شباب (الإنترنت).. مخاطر ومحاذير



*   *   *
قد لا نبالغ إذا أطلقنا على الجيل الحالي من الأطفال والشباب لقب "جيل الإنترنت" فالأرقام العالمية تشير إلى أن استخدام الشباب للشابكة بدأ يتزايد بسرعة شديدة على مستوى دول العالم، والخطورة في ذلك أن الشابكة (الإنترنت) تفتح أبواب الإباحية بكل صورها أمام الشباب، نتيجة غياب الضوابط الأخلاقية، والذي يجعل منها وسيلة هدم وتدمير للقيم والأخلاق والأسر والمجتمعات.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية أظهرت إحصائية حديثة أن عدد الأمريكيين من عمر سنتين إلى المراهقين بعمر 17 سنة من المستخدمين للشابكة (الإنترنت) تضاعف ثلاث مرات منذ عام 1997، وتشير الإحصائية إلى أن أكثر من 25 مليون حَدَثٍ استخدموا الشابكة خلال عام 2000 مقابل ثمانية ملايين خلال عام 1997، ومن المؤكد أن هذا الرقم قد تضاعف عدة مرات منذ عام 2000م حتى الآن، ومن المتوقع أن يتضاعف عدة مرات في السنوات القليلة القادمة.
ومن هنا فقد فتح الحاسوب آفاقاً جديدة أمام الشباب، وتحولت الشابكة (الإنترنت) بالنسبة لهم إلى ساحر جديد يستهلك الوقت، ويضع أمامهم مجالات واسعة للمغامرة غير مأمونة العواقب، مما بات يشكل تهديداً قوياً للقيم الأخلاقية، ويجعلهم عرضة لأنواع مختلفة من المعلومات والصور والأحداث التي لا تتناسب مع مراحلهم السنية.
وفي عالمنا العربي والإسلامي بدأ (الإنترنت) ينتشر وإن كان بمعدلات أقل من انتشاره في أمريكا والغرب، وبدأنا نرى مقاهي (الإنترنت) التي أصبحت مشهداً مألوفاً في شوارع المدن العربية والإسلامية، وكثيراً ما نرى لافتات هذه المقاهي لجذب الشباب إلى قضاء أوقات فراغهم أمام شاشاتها التي قد لا تتوافر لهم في منازلهم.
ومقاهي (الإنترنت) هي نواد تتيح لروَّادها الدخول في عالم الشابكة، والمشاركة في تجمُّعات المحادثة عليها، والتجول بين مواقعها بكل ما تحتوي عليه من خير وشر.
ففي شوارع القاهرة ومدن أخرى كثيرة أصبحت اللافتات التي تعلن عن وجود مقاهي (الإنترنت) مظهراً مألوفاً، وأصبح بإمكان المواطنين ممن لديهم دراية بالإنترنت أن يبعثوا الرسائل الإلكترونية التي يتبادلون فيها الآراء عن الحياة والعلاقات الاجتماعية والشؤون الجارية.

الوافد الجديد:
السؤال الذي يطرح نفسه مع انتشار هذا الوافد الجديد هو: ماذا يرى الشباب على الإنترنت؟ وما المواقع التي يحرصون على تصفحها والتجول فيها؟
إن هناك مؤشرات قوية تقول: إن قطاعاً كبيراً من الشباب يستخدمون (الإنترنت) في تبادل المواعيد، وإقامة علاقات إباحيَّة مع فتيات من دول مختلفة، ومن يدخل غرف الحوار والمحادثة (الدردشة/ الشات) يدرك هذا الأمر جيداً، ولذا نقول: إن الشابكة أصبحت سلاحاً ذا حدَّين، وإذا غابت الضوابط الأخلاقية لدى الشباب، فسيصبح هذا الوافد الجديد وسيلةَ هدم وتدمير للقيم والأخلاق والأسر والمجتمعات.
لقد أصبحت الشابكة ملتقى للشباب من الجنسين، الذين يخشون من التلاقي علانية، إذ أصبح بوسعهم التواصل فيما بينهم عبر البريد الإلكتروني، أو تبادل أطراف الحديث عبر غرف المحادثة (الدردشة)، كما أن الشباب العرب الذين قد يضطرون إلى زيجات تقليدية يستعينون الآن بالشابكة للقاء شريك حياتهم عبر مواقع التخاطب الإلكتروني.

الأخطار الأخلاقية:
لعل الأخطار الأخلاقية للشابكة على الشباب تتزايد يوماً بعد يوم، فقد فتحت لهم أبواب الإباحيَّة بكل صورها، وبلا حدود أو ضوابط، وألقت بهم في محيط من الإباحيَّة متلاطم، وخضم من الرَّذيلة عميق، يسحق الفتى والفتاة ليلقي بهما في بحر الرذيلة والانحراف، فحجم ترويج الإباحية وتصديرها عبر الشابكة فاق كل الحدود والتصورات، برغم المخاطر العظيمة التي تجرُّها الإباحيَّة على المجتمعات.
ولقد ذكرت وزارة العدل الأمريكية في دراسة لها أن تجارة المواد الإباحية تجارة رائجة جداً، يبلغ رأس مالها نحو مليار دولار، ولها أواصر وثيقة تربطها بالجريمة المنظَّمة، وإن تجارة الإباحيَّة هذه تشمل وسائل عديدة كالكتب، والمجلات، وأشرطة الفيديو، والقنوات الفضائية الإباحيَّة والشابكة.
وتفيد الإحصاءات الصادرة من الاستخبارات الأمريكية (FBI) أن تجارة الإباحيَّة هي ثالث أكبر مصدر دخل للجريمة المنظمة بعد المخدرات والقمار، إذ بأيديهم 85% من أرباح المجلات والأفلام الإباحية.
وفي أمريكا وحدها - كما يقول الدكتور مشعل بن عبدالله القدهي الأستاذ المساعد في معهد بحوث الحاسب الآلي في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية - أكثر من تسع مئة (900) دار سنما متخصِّصة بالأفلام الإباحيَّة، وأكثر من خمس عشرة ألف (15000) مكتبة ومحل فيديو تتاجر بأفلام ومجلات إباحية. ومع أن أمريكا في الماضي كانت تحارب إلى درجة كبيرة انتشار الإباحية في مجتمعها بفرض بعض الأنظمة والقوانين، فإن من الملاحظ في هذا العصر أن المعارضين لانتشار الإباحيَّة بدؤوا يخسرون هذه الحرب، فقد نجحت (الاستوديوهات) في تخفيف المراقبة على الأفلام الإباحيَّة.
ولقد أُلغي في أمريكا بأَخَرَة قانون "العفَّة في الاتصالات" ليتمكَّن الناس من الاستمرار في أعمال الإباحيَّة دون أي قيود قانونية. ومن المعلوم أن أمريكا هي أولى دول العالم في إنتاج المواد الإباحيَّة.

مواقع مرفوضة:
تمثل الشابكة (الإنترنت) في الوقت الحاضر أكثر الطرق نجاحاً في نشر الإباحية إذ إن صفحات النسيج العالمي المتعلقة بها تمثل بلا منافس أشد الصفحات إقبالاً في العالم.
وتغص الشابكة بآلاف المواقع الإباحية، وتشير التقارير إلى أن ما لا يقل عن ثلاثين موقعاً جديداً - في المتوسط - يُنشأ يومياً على الشابكة..لا هدف لأصحابها سوى تقديم العروض المبتذلة، واصطياد الصبية والشباب، لابتزاز أموالهم، وتدميرهم أخلاقياً.
وهناك شركة وتحالف وثيق بين مروِّجي الإباحية، ومصممي برامج القرصنة واللصوصية، فهذا يروج لذاك، وذاك يدعو إلى هذا.. والنتيجة خراب للقيم ودمار للأخلاق.. في ظلِّ حرية مزيفة، بهرجتها الصِّهيَونيَّة، وفرضتها من خلال قوى الضغط (العاصرة) للسياسات ومتخذي القرارات. وهذا جاك لايت يؤكد أن "الشباب الأمريكي غارق في الرذائل حتى أذنيه.. والتكنولوجيا أفسدته، وجعلت منه شاباً مخنثاً.. وعبداً للشذوذ..".
وتُقدَّر عدد الصفحات الإباحيَّة في الشابكة بنحو 5 % من مجموع الصفحات الكلية فيها، وهذا النسبة تُعد قليلةً، لكنها لا تقدم الصورة الحقيقية لحجم المشكلة، إذ يزداد إقبال رواد (الإنترنت) على هذه المواقع، فشركة playboy الإباحية مثلاً تقول: إن 4-7 ملايين زائر يتصفحون موقعهم في الأسبوع الواحد.

* زيادة الإقبال:
وتفيد الإحصاءات بأن 63% من المراهقين الذين يرتادون صفحات المواقع الإباحية لا يدري أولياء أمورهم طبيعة ما يتصفحونه، وأن أكثر مستخدمي المواد الإباحية تراوح أعمارهم بين 12و 17 سنة، والصفحات الإباحية تمثل بلا منافس أكثر فئات صفحات الإنترنت بحثاً وطلباً.
ولذلك صرحت وزارة العدل الأمريكية قائلة : لم يسبق في أي مدة من تاريخ وسائل الإعلام بأمريكا أن تفشى مثل هذا العدد الهائل من المواد الإباحية أمام الكثرة من الأطفال والشباب. وتفيد إحصاءات الوزارة بأن تفشي هذه الوسائل من الأسباب المباشرة في تفشي أنواع أخرى من الجرائم والمآسي الاجتماعية كالقتل والسرقة والاغتصاب والشذوذ.
ففي دراسة أمريكية حديثة تأكد أن الشراء والبيع عبر الشابكة (الإنترنت)، ونشر المواد الجنسية، والمقامرة وبرامج الأحاديث.. أصبحت مثل المخدرات بالنسبة لفئات من الناس يشعرون بالوحدة والحساسية المفرطة بحيث يلجؤون إليها بحثاً عن الاستمتاع والإثارة دون الإحساس بالذنب..
وبهذا أصبحت ظاهرة (الإنترنت) تهدد حياة بعض الأسر بالمشكلات العائلية والانفصالات الزوجية؛ بسبب انصراف الأزواج عن حياتهم الزوجية ومسؤولياتهم العائلية ليغرقوا أمام شاشات الشابكة.

* أطفال الشابكة (الإنترنت):
لا يتوقف الأمر على الشباب اليافعين فقط، بل إن شاشة الشابكة المبهرة تجذب ملايين الأطفال على مستوى العالم ، الذين يتجوَّلون في المواقع المختلفة دون إدراك واعٍ لما يقدم لهم فيها، وأثره في ثقافة الطفل وقيمه وأخلاقه، خاصة في عالمنا العربي والإسلامي الذي شهد ازدياداً كبيراً في استخدام الشابكة في السنوات الأخيرة.
والأثر السلبي على الأطفال لا يمكن تجاهله، فالأرقام تؤكد أن 58 % من مستخدمي الشابكة من الطلبة الأمريكان انخفض مستواهم الدراسي، و86 % من المدرِّسين يرون أن تعلق الأطفال بالشابكة لا يفيدهم دراسيًّا.
وحذَّر بحث أجري في بريطانيا أيضاً من أن الجيل الأصغر من البريطانيين ليس لديه معرفة بمفردات الشابكة مع أنهم يستخدمونها بكثافة، وقال البحث: إنه بالرغم من أن العديد من أطفال بريطانيا يتمتعون بإمكانية استخدام (الإنترنت)، فإنهم يفتقدون فهم أيسر وأهم المصطلحات المطلوبة لاستخدامها.
ويكشف البحث عن أن 85 % من الأطفال البريطانيين الذين تراوح أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشرة لديهم حواسيب منزلية، وأن 62 % من هذه الحواسيب متصلة بالشابكة.
ومن النتائج التي أظهرها البحث أن السبب الرئيس الذي يدفع الصغار إلى استخدام الشابكة هو التعلُّم حيث يتصل 48 % منهم من أجل الحصول على المعلومات والحقائق، في حين يكون هدف 26 % منهم هو مطالعة بريدهم الإلكتروني.

ضوابط لابد منها:
إن مسؤولية وقاية الجيل المسلم من هذا الوافد الجديد تقع بالدرجة الأولى على عاتق الوالدين، إذ عليهما تحصين أبنائهم بالتربية والدين والأخلاق من كلِّ ما هو إباحي وفاسد على الشابكة، وتوفير الوسائل التي من شأنها ضبط مغامرات الشباب في عالم الشابكة والحاسوب مثلما يفعلان تماماً في مجالات الحياة عامة، كما تقع المسؤولية على عاتق مؤسسات التربية والتنشئة المختلفة والمؤسسات الدينية التي يجب أن تقوم بدورها في توعية الشباب وتحصينهم من الاستخدامات السيئة للشابكة، وتوجيههم إلى المواقع المفيدة والبنَّاءة، سواء كانت مواقع إسلامية أو ثقافية أو اجتماعية أو أدبية أو تاريخية.
وهناك برامج حاسوب يمكنها حجب معظم المواقع غير المرغوب فيها بالنسبة للأطفال، وهناك أيضا تقنية أخرى لمنع التجول الخطر للأطفال في مواقع الإنترنت المختلفة، وذلك عن طريق استخدام برامج الرقابة، ومن المقترحات التي يفضل اتخاذها في حالة استخدام الأطفال الخاطئ للشابكة فصل الكهرباء وإغلاق الجهاز.
وبات من المعروف أن الدول التي تفرض قوانين صارمة على نشر المواد الإباحية تنخفض فيها نسبة الجرائم، وبرامج الحجب والمنع ممكنة، وقد جُرِّبت في بعض المدارس الأمريكية وحققت نسبة نجاح تصل إلى أكثر من 99 %، مما يستدعي تضافر الجهود وتطوير التقنيات لحماية الجيل الصاعد من الخطر الإباحي الهادم عبر الشابكة.

* المراجع:
1 - إدمان الحاسب يؤدي لعاهات دائمة عند الأطفال - جريدة البيان - الثلاثاء 2 رمضان 1421 هـ - 28 نوفمبر 2000م.
2 - روشتة سريعة لوقاية الأطفال من مخاطر الإنترنت - مجلة صحتك - العدد 12 - يناير 2000م.
3 - حوار حول الإباحية في الإنترنت - سلطان الخثلان - مجلة الجندي المسلم - العدد 102 - ذو الحجة 1421هـ - مارس2001م.
4 - الثورة الإباحية - مجلة الفرقان - العدد 126 السنة الثانية عشرة - رجب 1412 هـ أكتوبر 2000م.
5 - هجمة صهيونية عبر الإنترنت - حسني عبد المعز عبد الحافظ - الجندي المسلم - العدد 99 - ربيع الأول 1421هـ.
6 - موقع بي بي سي اون لاين - 27 سبتمبر 2000م.
7 - الإنترنت إدمان القرن الجديد - مجلة الجيل - العدد 319 - 22 فبراير 2000م.
8 - مرض العصر..إدمان الإنترنت - د. نادية العوضي - الإسلام على الإنترنت - 10 يونية 2000م.


février 11, 2015

الأبناء والصيف.. نقتل الوقت أم يقتلنا؟!

بدأت الإجازة الصيفية وفيها يتضخم حجم الفراغ لدى الأبناء والشباب، وتنحو الأسر مناحٍ مختلفة من حيث استثمارها للوقت، خاصة أن الإجازة الصيفية تقارب مائة يوم أي ما يعادل 3000 ساعة من عمر أبنائنا، وفي كل عام يتجدد السؤال وتتجدد الحيرة، كيف سيُمضي الأبناء الإجازة؟ وتكون الإجابة عند كثيرين: في النوم، والنزهة، وأمام التلفاز، وشاشات الحاسوب، فما الإجازة عند هؤلاء سوى ضياع للوقت، ومن ثم أثر سلبي في الصحة، وتنمية الكسل والتراخي في الأبناء، ثم تتعالى صرخات الوالدين بعد ذلك مستغيثة من جيل هذه الأيام، ونتناسى أننا نحن من ساهم بطريقة جيدة في صناعة هذا الجيل المتراخي الهش.
فكيف ينعم أبناؤنا بإجازة سعيدة- بإذن الله- بما يعود عليهم بالفائدة والترويح الممتع في إطار شرعي؟ هذا ما يجيب عليه التحقيق التالي:

• رأي الأمهات:
تقول أم عبد الله: في بداية الإجازة أجلس أنا وزوجي مع الأبناء، ونضع برنامجاً للإجازة، ونترك لكل واحد منهم وضع التصور الذي يراه، ثم نناقش كل برنامج على حدة، ونقارب بين أفكارهم، ونتفق على نقاط محددة كي ننفذها، وأتدخل أنا وزوجي لإضافة بعض الفقرات في برنامجهم- لأنه لا يخرج عن نطاق الترفيه والمنتزهات- فنضيف لهم برنامجاً دينياً يومياً مع تذكيرهم بأن الإجازة هي أيام من عمر الإنسان ولا يليق بالمسلم أن يضيع كل عام ثلاثة أشهر من حياته هباءً، وبالطبع كل عام يختلف في برنامجه عن العام الذي يسبقه، مع ضرورة وجود الثوابت كل عام، مثل القيام بعمرة، وزيادة البرنامج الديني؛ حيث إنهم مشغولون طَوال العام بالاستذكار ومتابعة الدروس وفي الإجازة فرصة عظيمة لأن يكون هناك استزادة من حفظ القرآن وقراءة السيرة وغير ذلك.

وتقول أم يُمنى: إجازتنا كل عام نقضيها في بلدنا (مصر) حيث زيارة الأهل والتنزه هناك والفسح، وأيضاً صلة الرحم، ولا تخرج إجازتنا كل عام عن هذا النطاق.

وتقول أم بنان: تأتي الإجازة ويزداد فيها ضغط أعصابي أكثر من أيام الدراسة لأن أبنائي يطيلون السهر بالليل ويكثرون من النوم بالنهار ومشاركتهم المنزلية لي ضعيفة بسبب ذلك والعبء كما هو لا يتغير، وأنا الآن أريد أن أسجلهم في مركز صيفي ليمضوا فيه وقتاً يعود عليهم بالفائدة بدلاً من قتل الوقت بلا فائدة.

• الفراغ مفسدة:
يقول محمد عمران- أب لستة أبناء-: لابد من شغل وقت الأبناء في الإجازة بما يفيدهم لأن الفراغ فعلاً مفسدة خاصة في هذا الزمن الذي تمتلئ فيه الشوارع والطرقات بالأولاد الذين لا يراعون حرمة الطريق فلا تدري وأنت سائر في طريقك إلى المسجد من أين ستأتيك الكرة ولو كان لأمثال هؤلاء الأبناء ما يشغل وقت فراغهم في الإجازة لما رأيت كل هذه الطاقات المعطلة.

ولابد أن يكون هناك وعي وتثقيف للأسر أولاً لأن كل شاب يتسكع في الطرق يؤذي غيره، وكل من يعاكس الفتيات وراءه أسرة غير واعية ومغيبة وغافلة عن دورها وإلا لما قذفت بأبنائها لرفقاء السوء هكذا، ولو أن كل أسرة عملت بمنهج الإسلام وعلمت أن خير الأنام عمل برعي الغنم (وهو ابن ثماني سنوات وليس شاباً جامعيّاً وكان من أشرف الأسر وأعلاها منزلة حينذاك) ما كان هذا حال شباب الأمة، ولعمل الأبناء فيما يعود عليهم بالكسب وشغل الوقت بالنافع المفيد، فلابد من التوازن بين العمل النافع المفيد وبين الاستمتاع بالإجازة.

• فرصة ذهبية:
يقول إبراهيم بن مبارك- أب لأربعة أبناء-: هناك بعض الأمور التي تُعين الشاب على عمارة وقته وحياته في الإجازة وهي: حفظ القرآن أو شيء منه، وكم يمر على أبناء المسلمين إجازة تلو إجازة دون أن يحفظوا القرآن الكريم أو جزءاً منه، فيجب أن نعوِّد الأبناء على أن يحفظوا خلال هذه الإجازة على الأقل خمس آيات يوميّاً، وأيضاً قراءة السنة النبوية وفهمها، وكتاب رياض الصالحين ففيه خير كثير، وكذلك الحرص على أداء العمرة وزيارة الحرمين وكذلك الحرص على الكسب وتعلم صنعة أو مهارة؛ فالإجازة ليس معناها النوم والسهر؛ بل يجب أن يكون هناك عمل صيفي يتكسب من ورائه، أو الدخول في دورات حاسب آلي أو مهنة يتعلم منها مهارة من المهارات كالسباكة والكهرباء.

وقد تفيد الإجازة في تقوية الضعف الدراسي حيث إن بعض الطلاب يعاني ضعفاً في بعض المواد الدراسية كالإنجليزي والرياضيات وهذا يسبب له تأخراً في الدراسة، فلتكن الإجازة فرصة لإصلاح حاله في هذه المواد وغيرها.

وأنصح الشباب بالاشتراك في المراكز الصيفية، وأحذر من إطالة السهر التي تظهر جلية أيام الأجازات وأيضاً ظاهرة المعاكسات والتجول في الشوارع والأسواق بدون هدف وهذه ظاهرة مرضية فيها انتهاك لحرمات وأعراض المسلمين، وماذا يستفيد الشباب من هذا التجول؟ غير أنه يعرض نفسه للفتن التي لا تُحمد عقباها، فضلاً عن إهدار الوقت الذي سيسأل عنه أمام الله.

• ثلاثة أصناف:
الدكتور عائض القرني يقول: حين تأتيك العطلة الصيفية ينقسم شباب الإسلام إلى ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات، فأما الأول فهو شاب ظن أن الحياة لعب ولهو وغناء وأكل وشرب ونوم وذهاب وإياب، وما عَلِم أن الله سوف يسأله عن كل دقيقة من دقائق حياته، وهذا الصنف يتحرى الإجازة بلهف ليذهب في كل مذهب، أما الصلوات فلا تسأل عنها فقد ضيّعها، وأما القرآن فهجره، وأما الذكر فلا يعرفه، وأما المسجد فما اهتدى إليه.

وأما الصنف الثاني فهو شاب مقتصد لم يقض الإجازة في معصية الله بل يقضيها في المباحات، يؤدي الفرائض، وينتهي عن المحرّمات،وينام نوماً عميقاً، فإذا استيقظ اشتغل بالزيارات والنزهات، فأين استثمار الوقت؟ أين القراءة؟ أين التلاوة؟ أين العلم والتعلم؟

وأما الصنف الثالث فهم السابقون بالخيرات وهؤلاء هم شباب الإسلام، ونجم التوحيد، وكوكبة محمد- صلى الله عليه وسلم، وهم الفجر لهذا الدين، إنهم شباب عرفوا الحياة وعرفوا أنهم سوف يقفون بين يدي علام الغيوب، وعرفوا أن السلف الصالح استثمروا أوقاتهم في مرضاة الله.

هذا الشاب سابق بالخيرات، كتاب الله خِدنه ورفيقه وربيع قلبه، لا تفوته الصلوات ولا تكبيرة الإحرام في جماعة.

ويدعو الدكتور القرني الشباب أن يكونوا من السابقين بالخيرات الذين جعلوا ليلهم طاعة، ونهارهم تسبيح وزلفى وقربى من الله، كمصعب بن عمير، وسعد، وخالد . كطارق وصلاح الدين، فالشباب هم أمل الأمة والمرشحون لقيادة البشرية.

• ترويح آمن:
الدكتور محمود عنان- أستاذ التربية الرياضية بجامعة حلوان- فيقول: إن من أهداف الترويح: الشعور بالاستمتاع نتيجة ممارسة بعض ألوان الأنشطة الترويحية متمثلة في الأعمال الإبداعية والابتكارية من قراءة وأعمال فنية وهوايات يبرز فيها الأبناء مهاراتهم، وكذلك النشاطات البدنية التي تكسب الصحة والتمتع بالقيم الإجمالية وممارسة خبرات جديدة نتيجة استخدام القدرات الفعلية ومن هنا فإننا نتوقع تغير السلوك نتيجة ممارسة تلك الأنشطة في اتجاه إيجابي لخدمة البيئة وقضايا التنمية وذلك للأسباب الآتية:
• الطاقة التي لا توجه إلى الخير سوف تستنزف في أعمال الشر.
• الطاقة التي لا تستثمر في الحلال سوف يساء استخدامها في الحرام.
• الفراغ الذي لا يحسن استثماره سوف يساء استخدامه.
• الترويح المباح هو الترويح الذي لا يرتبط أو يقترب من دائرة التحريم أو يؤدي إلى الحرام.
• الترويح المشروع لا يطغى في حجمه على العبادة أو العمل ويقول الله- سبحانه وتعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: من الآية77].
• يمكن قياس تقدم أي شعب من الشعوب عن طريق معرفة وسائله في استخدام وقت الفراغ.

• المراقبة مع حسن الظن:
يؤكد الدكتور عنان أهمية دور الوالدين فيقول: يجب علينا تشجيع كل ترويح إيجابي يعود على أبنائنا بالنفع والمتعة ونرفع-في الوقت نفسه- رايات التحذير الحمراء إزاء صور اللهو المنتشرة بالأندية، يبثها البعض عنوة ويعرضها الآخرون خفية، ويتداولها أطفالنا في سرية مثل: الصور العارية، والقصص الماجنة تحت اسم الأدب الواقعي أو الأدب المكشوف أو الأبيات الشعرية التي ترمز إلى عقائد أخرى.

ولعل بعض المراهقين يتزعمون شلة السوء، ويأخذون على عاتقهم عرض بعض أفلام الجنس الفاضحة، ولا يتصور البعض أن هناك بالنادي أو مركز الشباب بعض الأركان الخفية لعرض تلك الأفلام من خلال الفيديو الخاص (الشخصي) بحجم الكتاب الصغير.

والبعض الآخر يروج لأندية الجنس ذات الصور العارية والأوضاع المخلة، وهو ما يجرح الحياء ويدعو إلى الانحراف، كل هذه الأمور إنما تدخل في الكبائر، وعلى الآباء مكافحة ذلك بالمراقبة والتشديد والنصيحة والنهي عن مجالسة تلك الشلل بصورة أو بأخرى والحذر من أفكارها حتى لا نصل بالترويح إلى اللهو أو التسلية الماجنة.

• استقلال مشروط:
يضيف الدكتور عنان: من أدوارنا التربوية بوصفنا أولياء أمور للمراهقين والشباب أن نتيح لهم الاستقلال المشروط، وترشيح بعض الكتب التربوية والثقافية الهادفة، وسلاسل الهوايات، وتوفير بعض الألعاب الفكرية بالمنزل أو النادي، ثم إن ممارسة تلك الألعاب يجب أن تخلو من صور التحدي أو المراهنة.

• الألعاب الإلكترونية:
يوضح الدكتور عنان مخاطر الألعاب الإلكترونية فيقول: هذا مما عمت به البلوى؛ نظراً إلى ما لها من أضرار كثيرة على الأبناء، فلقد اجتذبت هذه الأجهزة عدداً كبيراً من الأطفال الذين يستخدمونها في أماكن خاصة بنظام التأجير بمدة محدودة (نصف ساعة أو ساعة أو أكثر) ولا مانع أن يجرب الطفل مثل هذه الألعاب ويستمتع بها أو ببعضها ويقضي بعض الوقت في اللعب ببرامجها، لكن القضية لا تكمن في ذلك بل إنها أعم وأشمل؛ حيث إن مثل هذه الأجهزة الكبيرة ألغيت وأصبح استخدامها محظوراً في عدد من الدول بعد أن تنبهوا إلى مخاطرها، فالطفل يجعل من تلك الألعاب عالماً خاصاً له يشغله عن عمله وصلواته -أي دينه ودنياه- ثم إن الطفل قد يستنزف نقوده ويضطر إلى الاقتراض من زملائه، وقد يتبارى البعض في هذه الألعاب بنظام المقامرة والمراهنة، فضلاً عن تعرض الطفل إلى بعض الإشعاعات المنبعثة من تلك الأجهزة، وقد يتحول الترويح المشروع هنا إلى ألوان من اللهو المسرف.

ومن العجيب في هذه الأيام تطور تلك الألعاب وبرامج الكمبيوتر المتخصصة لتشمل أفلاماً كاملة عن الجنس بالصوت والصورة وقد تنبه بعض المسؤولين في البلاد العربية إلى المخاطر المصاحبة لتلك الأندية الخاصة بالألعاب الإلكترونية، فأُغلقت وصودرت أجهزتها، وكنوع من الحيل فقد اقتنى البعض مثل هذه الأجهزة بصورة مصغرة في المنازل، ويبدو هنا دور الأسرة في تنظيم أوقات الطفل فيما بين اللعب والعبادة وإلا أصبحت أيضاً نوعاً من اللهو الذي قد يستمر أياماً وشهوراً، ويصاب أطفالنا عقبه بالاستهتار والإهمال وعدم المبالاة في دينهم ودنياهم.

• المراكز الصيفية:
يقول الدكتور خالد الشنتوت- كاتب إسلامي وباحث تربوي بالمدينة المنورة-: من أفضل وسائل تكوين الرفاق الصالحين المخيمات الإسلامية والمراكز الصيفية، وهذه المراكز تشبع عدة حاجات- روحية ونفسية واجتماعية- للأطفال والشباب، ولأن معظم أفراد هذه المخيمات أو المراكز من الفتيان المنتقين إسلاميّاً، فإنها أفضل البيئات لانتقاء الرفقة الصالحة، وينبغي للأخ المسلم أن يرسل أولاده إلى هذه المخيمات ولو كانت بعيدة، وعليه أن يخطط عطلته وفقاً لهذه المخيمات والمراكز نظراً لأهميتها، وأن يتحمل النفقات- إن وجدت- من أجل تربية أولاده تربية إسلامية.

وعندما نسلم بأن المراهقة حبس الطاقات المتفجرة عند الفتى، وهو ما يدفعه إلى البحث عن رفاق سوء ليشغل وقته ويصرف هذه الطاقة الفائضة المحبوسة، فإن المعسكرات أفضل الوسائل لصرف هذه الطاقات بالعمل والتدريب والأنشطة والتعلم إضافة إلى إشباع الحاجات المتعددة.

فالحاجات الروحية المتفجرة عند الشباب تشبعها إقامة الصلوات الخمس جماعة في المخيم، إضافة إلى التهجد قبل الفجر، وصلاة القيام في جوف الليل، وتلاوة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار، وصوم التطوع والإفطار الجماعي، وأذكار اليوم والليلة.

والحاجات الاجتماعية يشبعها توفير الأقران في العمر والثقافة والفكر إضافة إلى تحمل المسؤولية عندما تسند المهمات إلى الأفراد المشاركين في المعسكر، والعيش المشترك مع الآخرين.

والحاجات النفسية يشبعها شعور الشاب بأنه رجل يعيش في المعسكر، ويتدرب على القتال من أجل الجهاد في سبيل الله، والتعود على الخشونة في المأكل والمشرب والنوم، والتعود على المفاجآت.

أما خدمة البيئة فتشبع دافع تأكيد الذات، كبناء سد أو تعبيد طريق، وتشعر الفتيان بأهميتهم في المجتمع، ويدفعهم إلى تحمل المسؤولية.



نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات