آخر المواضيع

mercredi 11 février 2015

الشباب: جيل جديد وهوايات جديدة

الشباب محطُّ أنظار أيِّ مجتمع في كلِّ زمانٍ ومكان، وهو مياهُ الحياة الجارية المتجدِّدة فينا، من الطفولة حتى المصبِّ، حيث يضعُ الجميع عليها مراكبَ آماله وأحلامه؛ لتوصلَه إلى حيث لا يستطيع أن يصلَ بدونها.

ومع ذلك فقد مَرَّتِ الأُمَّة بظروف من الاحتلال والأزمات السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، غَفَلتْ في خضمِّها أحيانًا عن حقوق هؤلاء الشباب، وتلبيةِ احتياجاتهم المختلِفة، والتواصل معهم، ونقْل الخِبْرات الحياتية المختلِفة إليهم.

وسادتْ ثقافةٌ عجيبة لا تجعلك ترى فرْقًا بين ابن العشرين وأبيه في الخمسين؛ إذِ الجميعُ معظم أوقات اليوم أجساد ٌمتعَبة أمام شاشات التليفزيون وأشباهها، وقد حُشِرت أمامهم صنوفُ التسالي والمأكولات، فلم يعد يُرى فرقًا بين الأجيال، لا في الصحَّة ولا في الهوايات، ولا في الاهتمامات وكأنَّ حياتنا في طعامٍ وإلى نوم.

وكان سببُ ذلك ونتيجته في آنٍ واحد هو انتشارَ هوايات جاذبة للبقاء في المنزل؛ إمَّا وحيدًا، وإما منعزلاً بيْن الناس عنهم، كسماع الأغاني وعَزْف الآلات، ومشاهدة الأفلام والمباريات، وألْعاب الكمبيوتر، والحديث بلا جدوَى عبرَ الهاتف بالساعات.

وبصَرْف النظر عن حُكم الشَّرْع في كل هذه الهوايات، فإنها كلَّها هوايات عجائزية - إنْ صحَّ التعبير - لا تشبع من امتلأتْ نفسه بالطاقة والحيوية، وفتوة الشباب.

ولأنه - بحمد الله تعالى - ما زال لدينا شبابٌ يملؤُهم الإيمان ثقةً، وعلوًّا عن سفاسف الأمور، فقد نفَروا من هذه الهوايات المعلَّبة، وعيش الحزين الكئيب، وفتحوا أبوابَ الحياة يأخذون من كلِّ مجال فيها ما يتَّفق وثوابتَهم الدينية والاجتماعية، فأفادوا واستفادوا.

شباب رفَض أن يظلَّ قابعًا كمًّا مهملاً أمام صناديق الأفلام المعلَّبة، والألعاب الطفولية، يصنع غيرُه ويلعب هو، يكسب غيرُه ويدفع هو، يعمل غيرُه وينام هو.

ويعلو غيره وهو يَذِل، ويبقى غيرُه وهو يموت.

شباب خلَّفَ وراءَه بكائيات الأغاني، وهزليات الأفلام وألْعاب الحاسوب (الكمبيوتر)، فيما لا طائلَ منه، واستقبل الحياة بقلْبه الفتيِّ النقي؛ ليضعَ بصمته، ويعيش واقعَه، ويستمتع بفرصته في الحياة التي منحَها الله - عزَّ وجلَّ - له.

شباب تفرَحُ به الأمَّة وتفخر، ولا يملك كلٌّ منا إلا أن يحترمهم، ويعلق عليهم آمالَ نهضة الأمَّة في السنوات القليلة القادِمة - بإذن الله تعالى.

دخل الحاسوب بلادَنا فتعلَّمه وأتقنه، وصنع البرامج التي يحتاج إليها المسلِمون في الحياة والدعوة إلى الله تعالى، ومِن خلال عملِه الدعوي مارَسَ هواياتٍ عديدةً، عِلْمية وأدبية وفنية، وأنشأ المواقِعَ الدعوية والتعليمية، والتجارية وغيرها.

بل ويمكننا القول: إنَّهم قد اخترعوا هوايةً جديدة لشبابنا وبناتنا، ستكون بمثابة التراويح خلالَ فصل الصيف، إنه برنامج لتفريغ المحاضرات، يَستخدم فيها الشبابُ أصحاب الأصابع الرشيقة مهارتهم في العزف على لوحةِ المفاتيح الخاصَّة بجهاز الحاسوب؛ ليجعلوا كلَّ ما يسمعونه من محاضرات العلماء والدعاة مكتوبًا، فيملؤون وقتَ فراغهم بهواية ممتِعة مفيدة، ويتعلَّمون مما يسمعونه، ويعدُّون لكثيرٍ من إخوانهم الدعاةِ وطالبي العِلْم موادَّ علمية مطبوعة تُساعدهم في رِحْلة الطلب.

وأكثر مِن هذا، فقد جاء هذا البرنامج؛ ليستطيعَ من خلاله شبابُ المسلمين العرب أن يتواصلوا مع إخوانهم المسلمين ممَّن لا يتكلَّمون العربية، ويقدموا لهم يدَ العون؛ حتى يستمتعوا بخُطب ودروس المشايخ العرب، كما نستمتع نحن بها، إذْ بمجرَّد نسخ هذه المحاضرات على الورق يقوم المسلِمون في كلِّ مكان بترجمتها إلى لُغاتهم المختلفة، والاستفادة منها، والسعادة بها.

فأيَّ صدقةٍ جارية، وعِلْم يُنتفع به يرجو الشباب ثوابه في الحياة، وبعْدَ الممات؟!

وقد امتلأتْ به كثيرٌ من المنتديات، خاصَّة تلك التي تحمل الطابع الإسلامي، والعمل فيه، يسير على قدَم وساق، فما أجملَ أن تستمتع بالحياة وأنت تزرَع للآخِرة!

ولم يقفِ الشباب عندَ حدِّ جعْلها هوايةً وحسب، بل استفادوا بها في التدريب على الكِتابة السريعة، مما فتَح لهم فُرَص التكسُّب، والعمل في مجالات طباعة الرَّسائل والأبحاث العلمية.

وفي مجال الرِّياضة لم يَعُدْ هؤلاء الشباب يكتَفُون بمقعد المتفرِّج أو (الهتِّيف) وإنما أصبحتِ الرياضة لديهم تعني ممارستَها، واستغلالها في بناء أجسادِهم والترويح عن أنفسهم، وقد نَمَا وعيُهم، وأصبح أحدهم قادرًا على تقييم حجْم موهبته بواقعية تُمكِّنه من اتخاذ القرار بشأنها، وإذا ما كان الأفضلُ له أن تظلَّ الرياضة في حياته مجرَّدَ هواية مفيدة ممتعة، بينما يكون مجال عمله في الحياة هو ما ينبغُ فيه ويبرع، وينفع نفسه وأمَّته.

وفي مجال القراءة ستجد عجبًا في طريقة تفكير هؤلاء الشباب، التي تحوَّلَتْ بمقدار نِصف دائرة عن الطريقة التي كان يُفكِّر بها مَن سبقهم، فبدلاً مِن أنْ يقضوا الأوقاتَ الطويلةَ في قراءة الكُتب والرِّوايات المؤلَّفة، والتي يصنعها الكاتب من وحْي خياله، وخُلاصة أفكاره ورغْبته في توجيه فِكْر الشباب إلى اتِّجاه معيَّن لم يكن دائمًا إيجابيًّا ونزيهًا.

أصبح هؤلاء الشباب يهتمُّون بالقراءة في أمور دِينهم، ويستقون من كلام ربِّهم وسُنَّة نبيهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما ينطلقون به في الحياةِ على أرْضٍ ثابتة، لا تميد ولا تتغيَّر.

وأقْبل الكثيرون منهم على دراسة عِلْم أصول الحديث، مع ما يتطلَّبه هذا العِلمُ من حب ومثابرة، واجتهاد، ونباهة عقل، وصفاء ذِهْن، وقد استهواهم وأثارَ حماسَهم رؤيتُهم لكبار مُحدِّثي عصرنا كيف يتحدَّثون، ويدفعون عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويعيشون على هَدْيه.

وبعْد انتشارِ الفضائيات الإسلامية انزوَى حُلمُ كثيرٍ من الشباب بالبطولة الوهميَّة في التمثيل والغِناء، وأصبحوا يَسعَوْن جاهدين نحوَ بطولةٍ حقيقية خالدة مِن خلال الدعوة إلى الله - عزَّ وجلَّ - فامتلأتِ المساجدُ وبرامج الفضائيات بالدُّعاة مِن مختلف المراحل العُمرية في العشرينات، وتحتَ العشرين، بل وأشبال يُعدُّون بمهارةٍ لحمْل لواء الدعوة في المستقبل.

ولم تكنْ فتاتُنا الحبيبة بعيدةً عن كلِّ هذا التغيُّر والتطور، بل كانتْ مشارِكةً فيه، رائدة في كثيرٍ من مجالاته، وبجانب ذلك فقدِ اتَّسعت ثقافتُها، وزاد وعيُها، فملَّتِ الحديث المكرَّر عبر القنوات الإعلامية عن تحرُّرِ المرأة ومساواتها بالرجل، إذ لم يَعُدْ هذا وقتَه ولا عصره، فقد انقضَى هذا العصر وولَّى، وأصبح العالَمُ كلُّه بين يديها، تتجوَّل فيه كيف شاءتْ بالضغط على أزرار لوحة المفاتيح في جِهاز حاسوبها.

ولم تعُدِ الفتاة تلك الساذجة المنبهِرة بمَن تراهنَّ على الشاشات، فتقضي الساعاتِ تطالع وتتأمَّل زينةَ هذه، وملابس تلك، فكل ذلك أصبح بيْن يديها، والساعات التي كانتْ تقضيها في مشاهدة غيرها، أصبحتْ تقضيها في الاهتمامِ بنفسها، خاصَّة وقد اختارتْ كثيرٌ من الفتيات البقاءَ بالبيت، فلم تعد صورةُ الفتاة في المنزل كتلك التي وَضَعَتِ السلك في شَعْرها، والكِريم على وجهها طوالَ الوقت، حتى إذا ما خرجتْ إلى الناس أزالتِ السلك والكِريم؛ ليبدو شكلها أفضل.

وإنَّما فتاتنا جميلةٌ دائمًا في بيتها، فإذا ما خرجَتْ وَضَعتْ عليها ثيابَ حيائها وحجابها، وقد استطاعتْ أن تستفيد بذكاء بتطوُّر العصر، فحصلَتْ عن طريق الحاسوب على دوراتٍ عديدة في مختلف المجالات، بدءًا من إعداد الزَّوْجة الصالِحة، والأم المربية، وإرشادات العناية بالصحَّة والجمال، ومرورًا بدورات تعليمِ التفصيل والخياطة، والتطريز والرَّسْم على الزُّجاج، وصناعة شمْع الزِّينة، والتي كان حصادُها أنْ عاد حنين الفتيات مرةً أخرى لأنْ تضع كلٌّ منهنَّ لمستها الخاصة في كلِّ ركن من أرْكان بيتها.

ولم يُلهْها التقدُّمُ التكنولوجي الذي تعيشه، وتستمتع به عن تحصيلِ العلوم الشرعية، بل ربَّما كان تبحُّرُها أحيانًا في هذه العلوم هو سِرَّ نماء عقلها، وتَفتح قلبها على الحياة، والرَّغْبة في الاستمتاع بكلِّ دقيقة منها في ما يُرْضي الله - تعالى - من المباحات، وما تُرْفَع به في الآخرة الدرجات.

وحتَّى مفهوم السَّفر والسياحة قد اختلف عندَ كثيرٍ من الشباب، وبعدَ أنْ كانت السياحة تعني سفرَ الأغنياء لدول أوروبا وأمريكا، فتَحتْ شركاتُ السياحة اليومَ الفرصةَ للجميع، فاختار أكثرُهم أن يكون السفر أولاً لزِيارة بيت الله الحرام حُجَّاجًا ومعتمرين، وبعد أنْ كان الحج مقتصرًا على كِبار السن، أصبحْنا نرى الشباب اليومَ هم الأكثر سفرًا إلى بلاد الحَرمَيْن، وليس لمرَّة، فيرون البلاد، ويجتمعون بالعِباد، ممَّا يوسِّع المدارك، ويُقوِّي الاعتماد على النفْس، وتحمل المشاقِّ والتعامل مع الصِّعاب، وهم يعودون من كلِّ زيارة، وقد خَفَّتْ ذنوبهم، وثقلت جُيوبهم - بإذن الله - ألم يقلْ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تابِعوا بيْن الحجِّ والعُمْرة؛ فإنَّهما ينفيان الفقرَ والذنوب، كما ينفي الكِيرُ خبثَ الحديد، والذهب والفِضَّة، وليس للحجَّةِ المبرورة ثوابٌ إلا الجنة، وما من مؤمِن يظلُّ يومَه محرِمًا إلا غابتِ الشمس بذنوبه))؛ حسن صحيح.

وكما رَفَض الشباب أن يبقى أسيرَ الثقافات الهدَّامة، رفَضَ البقاء أسيرَ البطالة والفقر، فانطلق يعمل في مجال (الكمبيوتر) بيعًا وشراءً وصيانة، وفي مجال الكُتب والملابس، وفي كلِّ مجال يدرُّ عليه دخلاً حلالاً، يمكِّنه مِن رفْعِ العبء عن كاهِل والديه، وبَدْءِ حياته العملية ولو قبلَ الانتهاء من دراسته الأكاديمية.

وما يُسعِدني أكثر من أن أدخل مكانًا لبيع أجهزة (الكمبيوتر) فأجد شبابًا في سِنِّ الثامنة عشرة أو أقل أو أكثر، يقومون بالاتِّفاق على أسعار البضائع ونقْلها من السيارة إلى الرُّفوف الخاصة بها، وهم في حركتهم الجادَّة يُوحون إليك بالمسؤولية الكبيرة التي على عاتِقهم.

إنهم يُثبِتون وجودَهم وقدرتَهم على إدارة الأمور بحقٍّ، لا كغيرهم ممن يُثبِت وجودَه بنفث الدُّخَان في الهواء، والجُرْأة على المعاصي، متمثلاً هيئةَ الكِبار، وليس كبيرًا بعد.

فالكبيرُ هو مَن صدق الاتِّباع لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصَحْبه الكِرام قولاً وعملاً، مهما كان عمرُه، ولقد كان الصحابيُّ ما أن يتجاوزَ سِنَّ الطفولة، حتى يلتحقَ بصفوف الجهاد في سبيل الله - عزَّ وجلَّ - ولقد ولَّى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أسامةَ بن زيد إمارةَ الجيش، ولم يتخطَّ العشرين من عمره.

وهكذا، فإنَّ كثيرًا من شبابنا اليوم يستقبلون الصَّيْف والإجازات بجدول ممتلِئٍ بالأعمال الطيبة النافعة، ولم يكنِ الحال كذلك قبلَ أعوام قليلة؛ ذلك أنَّ مَن يرى الدنيا لهوًا وراحة، ما أن يحصل على الإجازة حتى يكسلَ عن كلِّ شيء، حتى عن اللهوِّ أحيانًا.

أمَّا أصحاب الهِمم العالية ممَّن يرى الدنيا دارَ اختبار، وتحصيل درجات، فإنَّه ما يكاد يفرغ مِن ميدان سباق، حتى يُسجِّلَ في ميدان آخَرَ، فمِن فوْز إلى فوْز، ومِن طاعة إلى طاعة، ومِن درجة إلى أعْلى، وما يكاد يرتاح ما دام في سِباق الحياة، بل وتجِدُه كالخيل العربي الأصيل إذا ما قارَب على نهاية السِّباق، مدَّ عنقَه، وشدَّ وجَدَّ، حتى النهاية والفوز.

فعَلى مِثْل هؤلاء الشباب يقوم السِّباق، وبمثلهم يكون السَّبق، وعلينا أن نُشجِّعهم ونقف بجوارهم، حتى يتزايدوا ويتقدَّموا، فلا يمضِ وقت طويل إلا وقد أصبح هذا هو حالَ أكثر شبابنا - بإذن الله تعالى - وقد تَسلَّموا بهذه الرُّوحِ الجميلة لواءَ التجديد، والعمل في أمتنا وعصرنا.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات