آخر المواضيع

mercredi 11 février 2015

حقوق الوالدين

حقوق الوالدين


قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].

يا إخوة الإسلام:
لقدْ قال الإمام عليٌّ - رضي الله عنه -: "إنَّ للولَدِ على والِده حقًّا، وللوالِد على ولَدِه حقًّا؛ فحقُّ الولَد على أبيه: أن يُحسِن اسمَه، وأن يُحسِن أدَبَه، وأن يُعلِّمه القرآن، وحقُّ الوالِد على ولدِه: أن يُطيعَه في كلِّ شيءٍ إلاَّ في مَعصيةِ الله.

واليوم نَتكلَّم عنْ حقِّ الآباء على الأبناء.

فاعْلَم أخي - أوَّلاً - أنَّ شُكْر المُنعِم واجِبٌ، وأنَّ عِرفانَ الجَميل جَميلٌ، ومَن أحقُّ عِندنا بالشُّكْر وأوْلى أن نعترِف له بالفضْل بعدَ الله - سبحانه وتعالى - مِن الوالِدَين؟!

فاللهُ قد أمَرَك - سبحانه وتعالى - أن تتَّجهَ بالشُّكْر - أوَّلاً - إليه، ثُمَّ إلى الوالِدَين، فقال - سبحانه -: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، فالشُّكْر - أولاً - يُوجَّه لله؛ فهو المُنعِم بكلِّ شيء، ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّه ﴾ [النحل: 53]، ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18]، ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾ [يس: 33 - 35]، ﴿ أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾ [يس: 71 - 73].

ثم تتَّجه بعْدَ ذلك بالشُّكْر للوالِدَين، فقدْ قامَا على ترْبِيَتِك خيرَ قِيام، وتعهَّداك أحسَن التَّعهُّد، وبَذَلاَ في سبيل مَرْضاتِك وقتَ الصِّغَر كلَّ مُرتَخَص وغالٍ؛ يَجوعان لِتَشبعَ، ويَظمآنِ لتَرْوى، ويَلبَسان أرْخصَ الثِّياب لِتلْبَس أنتَ أغْلاها وأحْسَنها! لا همَّ لَهما غير إسْعادِك، ولا هَناء لَهُما إلا في هَنائك، إن بَكَيتَ بَكَيَا، وإن ضَحكتَ ضَحِكَا، وإن مَرِضتَ أو أَصابَك مَكروهٌ تَمنَّيا أن يَكونا فِداءً لك مِن كلِّ مَكروه، وما زال هذا حالَهما مَعكَ حتَّى كَبِرْتَ وصِرتَ رجلَ الدُّنيا وواحِدَها، أبعْدَ ذلك تَنسى فضْل والِدَيك علَيك؟! أليس مِن المُروءة والوفاءِ أنْ تَمُدَّ لَهُما بالمَعونة يَدَيك؟ وقدْ قال الرسولُ - عليه الصلاة والسلام -: ((لن يَجْزي ولَدٌ والِدَه حتَّى يَجدَه مَملوكًا فيَشْترَيه فيُعْتِقه))، ويقول ربُّ العزَّة - سبحانه وتعالى - ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلاَّ الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].

وقد رَغَّب الله في البرِّ بِالوالدَين، وحَضَّ عليه، وامْتدَح بعضَ رُسُله على بِرِّهِم؛ فقال عن يَحيى: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [مريم: 14]، وعن عيسى: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32]، وعن يوسف: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [يوسف: 100]، وعن إسماعيل: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102].

وحُقوق الوالدَينِ لَيستْ مِن قَبيل التزيُّن بالأدَب الاجْتماعيِّ، بلْ هِي فُروضٌ وعَزائمُ، فمَن أدَّاها فقدْ أبرَأ ذِمَّته، وأعْتقَ رقَبتَه مِن النَّار، ومَن لم يُؤدِّها فلنْ تَنفعَه صَلاةٌ ولا صِيام ولا غيرُ ذلك مِن الأعْمال؛ قال رسولُ الله - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن أصْبحَ مُطيعًا لله في والِدَيه أصْبحَ له بابانِ مَفتوحانِ مِن الجنَّة، وإنْ أمسى فمِثْل ذلك، ومَن أصْبحَ عاصيًا لله في والِدَيه أصْبحَ له بابانِ مَفتوحانِ إلى النَّار، وإنْ أمْسى فمِثْل ذلك، وإنْ كان واحدًا فواحدٌ، قال رجل: وإنْ ظَلَماه؟ قال: وإنْ ظَلَماه، وإنْ ظَلَماه، وإنْ ظَلَماه))[1].

ولقدْ قَرَنَ اللهُ بِرَّ الوالِدَين بالإيمان به - سبحانه وتعالى - وعُقوق الوالِدَين بالإشْراك بالله؛ فقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23]، ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ قُلْ تَعَالَوا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الأنعام: 151].

ولقدْ رفَعَ الله مِن قِيمَة الإنسانِ؛ حيثُ لم يوجه إليه النهْيَ عن الإساءة إلى الوالِدَين، كما وجَّه إليه النهْيَ عن الإشْراك فقال تعالى: ﴿ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الأنعام: 151]، وما ذاك إلا سموٌّ بالإنسانِ مِن أن تظن به الإساءة بالوالِدَين، فلَيسَ مِن شأنِه ولا مِن خُلُقه أن تَقع الإساءة مِنه لوالديه حتَّى يكون في حاجَةٍ إلى النهْي عنها.

وقدْ قال الرسولُ - عليه الصلاة والسلام -: ((رِضا الربِّ في رِضا الوالِدَين، وسَخَط الرَّبِّ في سَخَط الوالِدَين))[2]، وقال أيضًا: ((مَن أرْضى والِدَيه فقدْ أرْضى الله، ومَن أسْخَطَ والِدَيه فقد أسْخَط الله))[3].

وهذا البِرُّ يَختلِف مِن إنسانٍ لآخَر، وخُلاصَة ما يَطلُبه الإسْلام ألاَّ تَقول لَهُما "أفٍّ"، وأن تقول لَهُما قولاً كريمًا.

وقد فضَّل الله البِرَّ بالوالِدَين على الجِهاد في سبيل الله؛ رَوَى عبدالله بْنُ مسعود قال: سألتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ العمَلِ أحبُّ إلى الله؟ قال: ((الصَّلاة لِوقْتِها))، قُلتُ ثُمَّ أي؟ قال: ((بِرُّ الوالِدَين))، قُلتُ: ثُمَّ أي؟ قال: ((الجِهادُ في سبيلِ الله))[4].

ورُوي أنَّ رجُلاً قَدِم على سيِّدنا رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: إنَّني أشْتهي الجِهادَ ولا أقْدِرُ عليه! فقالَ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هلْ بَقِي مِن والِدَيك أحد؟)) قال أمِّي، قال: ((قابِلِ اللهَ في بِرِّها، فإذا فعلْتَ ذلك فأنتَ حاجٌّ ومُعتَمِرٌ ومُجاهِد))[5].

والبارُّ بوالِدَيه مِن أهْل الجَنَّة، والعاقُّ مِن أهْل النَّار؛ قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فلْيفْعَلِ البارُّ ما شاءَ أن يَفعل فلنْ يَدخُلَ النَّار، ولْيفعَلِ العاقُّ ما شاءَ أن يَفعلَ فلنْ يَدخُل الجنَّةَ)).

وسُورة الأحْقافِ تُؤكِّد هذا، وتَذكُر صُورتَين لولَدَين؛ أحدهما: بارٌّ يَتقبَّل الله منْه أحسَن أعْمالِه ويَتجاوَز عن سيِّئاتِه ويَتكفَّل الله له بالجنَّة.

والثاني: عاقٌّ، يُغضِب والِدَيه، ويُنكِر البعْثَ، خَسِر الدُّنيا والآخِرة، وحاقتْ به لعْنةُ الله ربِّ العالمين؛ قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [الأحقاف: 15 - 16].

﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 17 - 18].

وعُقوق الوالِدَين مِن أكْبر الكبائر؛ فقدْ قال الرسولُ - عليه الصلاة والسلام - يومًا لأصْحابه: ((ألاَ أُنبِّئكُم بأكْبرِ الكَبائر؟ - ثلاثًا -: الإشْراكُ بالله، وعُقوقُ الوالِدَين، وكان مُتَّكئًا فَجَلَس، فقال: ألاَ وقَول الزُّور، وشَهادَة الزُّور))، فما زال يُكرِّرها حتَّى قال الصَّحابَة: لَيتَه سَكَتَ؛ رأفةً به - عليه الصلاة والسلام[6].

وهذا العاقُّ الذي يَرتكِب بعُقوقِه أكْبرَ الكَبائر مَلعونٌ مِن اللهِ؛ قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لعَن اللهُ مَن غيَّر تُخومَ الأرض، ولعَنَ الله مَن ذبَح لغيرِ الله، ولعَنَ الله مَن سبَّ والِدَيه))[7].

ويُعاقِب اللهُ على عُقوقهما في الدُّنيا؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((أسْرعُ الخَيرِ ثوابًا: البِرُّ وصِلَة الرَّحِم، وأسْرعُ الشَّرِّ عُقوبةً البَغْي وقَطيعة الرَّحِم))[8].

وكما أنَّ الله يُعجِّل له العُقوبةَ في الدُّنيا، فإنَّه لن يَدخُل الجنَّة؛ قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثلاثةٌ حَرَّم الله - تبارك وتعالى - عليهم الجنَّةَ: مُدمِن الخمْر، والعاقُّ، والدَّيُّوث؛ الذي يُقرُّ الخبَثَ في أهْلِه))[9].

والإنسانُ مُطالَبٌ بالإحْسان إلى الوالِدَين حتَّى في حالة مُخالَفتِهما له في العَقيدة؛ قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 14 - 15].

ويُروَى أنَّ هذه الآيةَ نزَلتْ في سعْد بنِ مالِكٍ؛ فقدْ كانَ بارًّا بأمِّه، ولما هَداه اللهُ للإسْلام أقْسَمتْ أنَّها لن تَذوقَ الطَّعام ولا الشَّرابَ حتَّى يَرجِع إلى دِينِه ودِين آبائِه، ولكنَّ سعْدًا تَرجَّح عِندَه طاعةُ الله، فقال لأمِّه: يا أمِّي لو وهَبَكِ الله مائة نفْسٍ خرَجتْ نفْسًا وراءَ نفسٍ ما تَركتُ دِين مُحمَّد، فأنَزلَ اللهُ هذه الآية؛ لِيأمُرَه الله فيها بالمُحافَظةِ على الإيمان، والتمسُّكِ بالإحْسان إلى أمِّه.

وهذا البِرُّ ليس مَقصورًا على الوالِدَين حالَ حياتِهما، بل إنَّه يَمتدُّ إلى ما بعْد الوفاة؛ فقدْ جاءَ رجُلٌ مِن بني سَلِمَة إلى الرسولِ - عليه الصلاة والسلام - فقال: يا رسولَ الله؛ هلْ بَقيَ مِن برِّ أبَويَّ شيءٌ أبَرُّهما به بعْد موتِهما؟ قال: ((نعَمْ، الصَّلاة عَليهِما، والاستغْفارُ لَهُما، وإنفاذُه عَهدِهما مِن بعْدِهما، وصِلَة الرَّحِم التي لا تُوصَل إلاَّ بِهما، وإكرام ضَيفِهما))[10].

وقال أيضًا: ((إنَّ العبْدَ لَيموت والِداه أو أحدُهما وإنَّه لَهُما لعاقٌّ، فلا يَزال يَدعو لَهُما ويَستغفِر لهما حتَّى يَكتُبَه الله بارًّا))[11]، أيضًا: ((إنَّ الرجُل لَتُرفَع درجتُه في الجنَّة، فيقول: يا ربِّ أنَّى لي هذا؟! فيُقال باستِغفارِ ولَدِك))[12].

كذلك يَمتدُّ البِرُّ إلى ذَوي الأرْحام؛ قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الرَّحِم شَجْنَةٌ مِن الرَّحمن؛ قال الله تعالى: مَن وصَلَكِ وصلْتُه، ومَن قطَعكِ قَطعتُه))[13]، وأُحذِّرك أن تَنقادَ لقَول السُّفهاء: "الأقارب كالعَقارب"، أو لقول أحدهم:
لُحُومُهُمُ لَحْمِي وَهُمْ يَأْكُلُونَهُ 
وَمَا دَاهِيَاتُ المَرْءِ إِلاَّ أَقارِبُهْ 

حَذارِ أن تَنقاد لِهذا! واتَّبِعْ قولَ الحقِّ: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾ [النساء: 1]؛ اتَّقوا الله فلا تَعصُوه، واتَّقُوا الأرْحامَ فلا تَقطُعوها؛ قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن سرَّه أن يُمدَّ له في عُمُره، ويُزادَ له في رِزْقه: فليَبرَّ والِدَيه، ولْيَصِلْ رَحِمَه))[14].

وقال أيضًا: ((ألاَ أَدلُّكم على أكْبرِ الكَبائر؟)) قالوا: بلى يا رسولَ الله، قال: ((الإشراكُ بالله، وعُقوقُ الوالِدَين، وكان مُتَّكئًا فجلَس، فقال: ألاَ وقول الزُّور، وشَهادة الزُّور ثلاثًا)) حتَّى قال الصَّحابةُ: لَيتَه سَكَت؛ رأفةً بِه.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات