آخر المواضيع

mercredi 11 février 2015

الضرب في التعليم الديني

الضرب في التعليم الديني


بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ومن اهتدى بهديه، واستنَّ بسنَّته إلى يوم الدين.

وبعد:
"لقد قضينا أيها الإخوان في هذه الحِقبة من الدهر، من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا على جميع برامج التعليم، في الممالك الإسلامية المستقلَّة، أو التي تخضع للنفوذ المسيحي أو التي يَحكُمها المسيحيون حُكْمًا مباشرًا، ونَشْرنا في تلك الرِّبوع مكامنَ التبشير المسيحي والكنائس والجمعيات وفي المدارس التي تُهيمن عليها الدولُ الأوربية، والأمريكية وفي مراكز كثيرة، ولدى شخصيَّات لا تَجوز الإشارة إليها[1]، الأمر الذي يعود فيه الفضلُ إليكم أولاً وإلى ضروب كثيرة من التعاون باهرة النتائج، وهي أخطر ما عرَف البشر في حياته الإنسانية، إنكم أعددتُم بوسائلكم الخاصَّة جميعَ العقول في الممالك الإسلامية إلى قَبُول السير في الطريق الذي مهَّدتم له كلَّ التمهيد"[2]، بهذا الخطاب الطويل عبَّر القِس زويمر عن دور التعليم والمؤسسات التبشيرية التي تقف خلْفها كوادر أوربيَّة وأمريكية في تغذية العقول المسلمة بأفكار ومعتقدات تُصوِّر الإسلام على أنه دين مُتخلِّف ورجعي، يقف عائقًا أمام التطور والتقدم والحداثة التي يشهدها العالم في زمن العولمة والثورة المعلوماتيَّة، وأن مناهجه التربويَّة والتعليمية لا تُراعي تحدِّيات العصر ومقتضياته الراهنة ولا تُواكِب التطورات الإقليمية والدولية، لهذا عمِلتْ هذه المؤسسات على فَصْل الدين عن الحياة وعن التعليم خاصَّة، وجعله مسألة شخصيَّة بين الإنسان وخالقه باعتبار أن التعليم هو أنجع وسيلة لتمرير الأفكار الضالَّة والمعتقدات الفاسدة؛ لأنه يَحتضِن الطفلَ منذ نعومة أظفاره إلى أن يَبلُغ أشده - فيكون أمر تطبيعه وشحْنه وتعبئته أكثر يسرًا وسهولة؛ فالمدارس على هذا الأساس أحسن ما يُعوِّل عليه المبشِّرون في التحكم بالمسلمين كما قال القس الزويمر"[3].

هذه المدارس التي تدخل إلى العالم الإسلامي تحت ستار التعليم وإخراج المجتمع من التخلف، والتقهقر الفِكري الذي يُخيِّم عليه إلى الاندماج في الحضارة الغربية أو بعبارة أصح إلى الاستعباد والتَّبَعيَّة الفِكرية"، وهكذا يرى الناشئ المسلمُ من السطحيين في هذا العمل تفضُّلاً عليه جاهلاً بأن كلَّ خيرات بلاده تستلب مقابل الاستعباد الفكري الذي يُلقَّن له من خلال هذه الثُّكْنات الاستعمارية الجديدة التي تُسمَّى المدارس، ويقتل فيها أبناء المسلمين رُوحًا وفِكرًا، حتى إذا أراد الناشئ في البلاد الإسلامية الرجوعَ إلى تاريخه ليأخذ منه العِبَر، وجد أن تاريخه هو ذلك التاريخ الذي صوَّرته أقلامُ المستشرقين عندما عرَّفت له الإسلام[4].

ولكي تستمر هذه المدارس - العلمانية - في ضربها للإسلام والمسلمين، ولكي تُثمِر الثمار المرجوَّة منها تُخصِّص ميزانية بملايير الدولارات؛ لتشجيع هذا النوع من التعليم (العلماني) داخل التراب الإسلامي، ففي 9 نوفمبر نشرت مجلة الشرق الأوسط أن إدارة بوش قرَّرت تخصيص مبلغ 145 مليون دولار لميزانية عام 2004 لتشجيع التعليم العلماني في العالم العربي، وأعطتْ لباكستان عشرات الملايين من أجل تغيير مناهج المدارس الدينية.

كما أرسلت اليونسكو مصفوفة إلى جميع بِقاع العالم الإسلامي تُطالِب بضرورة تغيير عدد من المفاهيم حول بعض الموضوعات مِثْل حقوق الإنسان، القيم المشتركة، ثقافة السلام، وكذا دعوى إزالة كلِّ "المواد السلبيَّة من النصوص الدينية[5]، خاصَّة النصوص التي تَحُث على الجهاد، وبذْل الغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الله في الأرض وحماية العقيدة والنَّفس والوطن كمقصد وهدف سامي.

فكانت النتيجة تمييعَ هذا اللون من الدراسة الدينيَّة، وجعْلها لا تَهتمُّ إلا بالقشور، أي تخريج ناشئة من الشباب لا تعرف عن دينها شيئًا بتقليص غلافه الزمني، وجعل حصصه في آخر البرنامج التعليمي ليتلقاه التلاميذ وهم في حالة من الإعياء والضَّجَر، أما مدرِّسه فيكون أكبر المدرسين سنًّا، وطريقته تَعتمِد التلقين والحِفْظ بلا فَهْم ولا نَقْد أو تمحيص هذا الأسلوب العقيم يجعل التلاميذ يَنفرون من الدرس الديني (فدرس الدين في منهج دنلوب[6] هو في الحقيقة رُقْعة في الثوب الدراسي غير مُتجانِسة معه إن لم نَقُل: مُتنافِرة؛ فهو ثوب علماني بحت لا علاقة له بالدين على الإطلاق على الطريقة الغربية الدينية التي فصَلت الدينَ عن العِلم وفصَلتْه عن الحياة[7].

فكانت هذه الأهداف الخبيثة - ضرب التعليم الديني - والوسائل الأخبث إحلال التعليم العَلَماني بدل الديني تتويجًا للجهود التي قام بها المبشِّرون، وخيرًا ابتهل به هؤلاء ومنهم القس الزويمر الذي قال: "إنكم أعددتم نشئًا لا يعرف الصِّلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تُدخِلوه المسيحيَّة، وبالتالي جاء النشء طِبقًا لما أراده الاستعمار الفكري، لا يهتمُّ بالعظائم، ويحب الراحةَ والكسلَ، فإذا تعلَّم فللشهوات، وإذا تبوَّأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء، إن مهمتكم تتم على أكمل وجه، وقد انتهيتم إلى خير النتائج وباركتكم المسيحية، ورضي عنكم الاستعمارُ فاستمرُّوا في أداء رسالتكم، فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضع بركات الله"[8].

سؤال للقس زويمر ومَن يسير على دَرْبه في التفكير: أي جهاد هذا الذي يقوم على استغلال التعليم، واستغلال العقول الطرية من أبناء جلدتنا لتشويه دينهم وطَمْس معالم حضارتهم، والإطاحة بلغتهم وتراثهم؟

يريدون بذلك إطفاء نور الله بأفواههم ومناهجهم التي أعلنت بُورَها وكسادَ سوقها فاتجهوا بكل غطرستهم يَلبِسون مُسُوحَ الرُّهبان وقلوبهم قلوب الذئاب الماكرة؛ ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8].

هل اختلط مفهومُ الجهاد عند زويمر، فأصبح يُوظِّفه في كلِّ عمل يهدف إلى هدْم الدين الإسلامي واقتلاعه من جذوره واجتثاثه من نفوس أبنائه، ويطوي صفحتَه من حيز الوجود؟

وعن أي بركة إلهيَّة يتحدَّث عنها الرجل هل هي بركة جاءت نتيجة صحوة إيمانية أم هدف يعمل على تقويض الصحوة الإيمانية عند المسلمين؟
يقول الدكتور محمد عمارة في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة: "لقد جاء التنصير والمنصِّرون في رِكاب الغزاة، وليس تعبيرًا عن صحوة إيمانية نصرانية في المجتمعات الغربية، بل لقد كان الأمر على العكس من ذلك تمامًا، فمع تَصاعُد إفلاس النصرانية وكنائسها في الغرب، والإفلاس في مجال الأخلاق الإنسانية عندهم عامَّة نرى تَزايُد مدِّ النشاط التنصيري بين المسلمين على وجه التحديد من أجل إجهاض اليقظة الإيمانية والصحوة الإسلامية بين المسلمين"[9].

فالحذر كل الحذر من هذه العمليات "الجهادية" كما عبَّر عنها زويمر، "والبركات الإلهية" التي بدت بعضُ مؤشراتها تلوح في أُفُق العالم الإسلامي.

فالمسؤولية تقع على عاتق كل مسلم ومسلمة، وكل صاحب قرار أو سيادة بالعالم الإسلامي في صدِّ هذه الغارات، ومقاومة هذا الاجتياح الكاسر، والتكالب المسعور للغرب على الإسلام، وهذا لا يَتم إلا بتَكافُل الجهود، واتحاد الكلمة، والتخطيط والتنظيم المُحكَم لمواجهة هذه الحملات التخريبية والعمليات الإرهابية - الإرهاب الفكري - لأنه يَعتمِد القوةَ والعنف في تطبيق أفكاره وتسطير قراراته، التي يعمل هؤلاء المنصِّرون على تدعيمها في البُلدان الإسلامية بزرع رُوح المسيح الفادي المخلِّص بدل القرآن الكريم، والكنيسة - بيوت الرب - بدل المسجد، والمناهج التربويَّة العلمانية بدل الإسلامية، واللغة الأجنبية بدل اللغة العربية في النفوس، والعقول القاصرة عن إدراك الحقيقة.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات