آخر المواضيع

mercredi 11 février 2015

شبابنا.. القوة الضاربة

الشباب هم القوَّة الأولى في المجتمع المسلم وفي أيِّ مُجتمع، وهم الذين عليهم الاعتماد في نَهْضة الأُمَم، بعزيمتهم، وأخلاقهم، وتضحيتهم بالغالِي والرَّخيص؛ لتحقيق الازدهار والرِّيادة، وهم رُمَّانة ميزان الصَّلاح والهدى، على أكتافهم تُبْنَى الدُّول، وتزدهر الحضارات، وبِهم يُدحر الباطل، ويعلو الحق، وتُقتلع شوكة الفساد، وتُغرس نبتة الخَيْر، وهم صانعو الأفكار، ومنتجو التغيير، تتضاءل إلى جانب هِمَّتِهم كلُّ هِمَّة، وتتدانى إلى جانب حماستهم كلُّ حماسة وقوَّة، وعليهم الرهان في نَجاح الفكرة؛ فـ"إنَّما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوَفَّر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووُجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها، وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة - الإيمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل - من خصائص الشَّباب؛ لأنَّ أساس الإيمان القلب الذَّكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النَّقي، وأساس الحماسة الشُّعور القوي، وأساس العمل العزم الفتِيُّ، وهذه كلها لا تكون إلاَّ للشباب، ومن هنا كان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أُمَّة عمادَ نَهْضتِها، وفي كلِّ نَهْضة سرَّ قوَّتِها، وفي كل فكرة حامِلَ رايتها: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13]".

ومن هنا كان المعوَّل في كلِّ أمة على شبابِها، وكان الاهتمام بِهم والثِّقة فيهم في الأُمَم التي تعقل عن الله مراده، أو تلك التي لم تستأثر لِكُبرائها والملأ من قومِها بالمناصب ومواقعِ النُّفوذ، فضخُّ الدِّماء الجديدة مطلبٌ أصيل من مطالب دَفْع عجلة الحياة، وعليها مدارُ النُّصْرة والبَذْل، فالحماسة وروح المُغامرة التي تَجْري في دمائهم هي المحرِّك الأساسي لِمُقاومة التيَّارات التخريبيَّة المخطّطة لِسَلخ الهوية، وبثِّ الانْهزامية، والرُّضوخ للأمر الواقع مهما كان سيِّئًا.

ومرحلة الشَّباب هي أخصب مراحل العمر؛ ففيها يكتمل تكوين الشَّخصية، وتوضع اللَّمسات النهائية على توجُّهات الأفراد وأفكارهم، وفيها يَتَّجِه الإنسان إلى رأس هرم القوَّة والفتوة؛ لذا يرتبط بتلك المرحلة ضمُّ الشباب إلى الجيوش المدافِعَة عن البلاد بقوة السِّلاح، القابعة والمرابِطة على الحدود، المتصدِّية لِمُحاولات الاستعمار الخارجية للاستيلاء على مقدَّرات الدول.

ومع ذلك يعيش شباب الأُمَّة حالة من ضياع الهوية - إلاَّ من رحم ربُّك - فعددٌ غير قليل انساقوا وراء نزواتهم ورغباتهم، وهَمَّشوا الدَّور الإسلامي في تغيير النُّفوس والارتقاء بالأرواح، وهشَّموا قِنِّينة التِّرياق المتكفِّلة بِنَفْخ الرُّوح في الأنفس العليلة، فغرَّبوا وشرَّقوا بَحثًا عن سبيل السعادة وطريق النَّجاة وهو بين أيديهم، فظنُّوا الغَرْب طوق نَجاة وسبيل حياة، فنطقت الألسُن بغير اللِّسان العربي، واستعمرت العقولَ أفكارٌ دخيلة، وترسَّخت حتَّى صارت هي الأساس، فصار الأصل فرْعًا والفرع أصلاً، وبات الدِّين صِفْرًا على هامش صفحات العقول البيضاء أو حتَّى السوداء، بل صار كلُّ مظهر إسلامي دليلاً على رجعيَّة معتَنِقيه، وماضويَّة المقتنعين به، وصارت المدَنيَّة والعلمانيَّة والليبرالية والتغريبيَّةُ مظاهِرَ للتقدُّمية والحضارة، وبات الشباب يردِّد حديثًا لا يفقَهُه، وجُمَلاً تَحْمل من الإشكالات ما يتطلَّب أشهرًا لِفَكِّ رموزها وتحرير مصطلحاتِها، وصارت الببغاويَّة الفكريَّة مسيطرة على جُموع الشَّباب، فينطقون بِما لا يعلمون، ويَهْرِفون بِما لا يَعْرِفون، وما هذا إلاَّ مظهرٌ من مظاهر سطحيَّة التفكير التي سار غالبية الشباب في ركابها، والاهتمام بِسَفاسف الأمور وإيلائها كلَّ العناية، وهذا ليس بغريب حتَّى بَيْن العاملين في الحَقْل الدَّعوي أنفسهم، فالقضايا الإسلاميَّة والفكرية والعقلية يُكتَفى فيها بفضول الأوقات، ولا تُحرَّر فيها المسائل كما ينبغي، بل يَفتح الشَّبابُ والناشئة عقولَهم لأرباب الفِكْر المدخول؛ لِيَبصقوا فيها بِما يشاؤون، لا سيَّما مِمَّن يسمُّون أنفسهم إصلاحيِّين أو تنويريِّين، ويجمعون بين ذلك وبين بعض مظاهر التديُّن الزائف أو الحقيقي.

لذلك فإنَّ عزائم الأعداء متوجِّهة لزعزعة الثِّقة في الشباب، والاستيلاء على عقولِهم، والسيطرة على أفكارهم واختراقها، وتنمية الشُّعور بالتَّبَعيَّة الثقافية للغَرْب عَبْر وسائل الإعلام والمنشورات الثقافيَّة المتعدِّدة، بالإضافة إلى ضَرْب الإرادة وإضعاف الصحَّة بالتَّرويج للمخدِّرات والمُسْكِرات وما يُغَيِّب الذِّهن ويرهق العقل ويستنفد قُواه فيما لا يفيد، بل وفيما يرجع عليه وعلى أُمَّته بالأذى والضرر.

إنَّ على الشباب مسؤوليَّةً خطيرة في فَهْم الوقائع مِن حولِهم، والتصدِّي لِمُخطَّطات الاختراق الداخليَّة والخارجية، والتصدِّي كذلك لحالات الفساد التي بلغَتْ حدًّا لا وصف له، ومن هنا كثرتْ واجباتُهم، وعظمتْ تَبِعاتُهم، وتضاعفتْ حقوق أُمَّتِهم عليهم، وثقلت الأمانة في أعناقهم، ومن هنا وجب عليهم أن يفكِّروا طويلاً، وأن يَعملوا كثيرًا، وأن يُعطوا الأُمَّة حقَّها كاملاً من شبابها؛ فلِلأُمَّة حقوقٌ في الشباب كما أنَّ للشباب حقوقًا في الأُمَّة، فمِن حقِّ الأُمَّة على الشباب أن يكون شبابًا واعيًا، حاضِرَ الذِّهن، متَّقد القريحة، باذلاً غيْر باخل، مُقْدِمًا غير مُحْجِم، شجاعًا مقدامًا، لا جبانًا كسولاً، عالي الهمَّة يقدِّر للأمور قدرها، لا ناعقًا مع الناعقين، ولا تافهًا مع التافهين، وكلُّ امرئ في ذلك بقدر استطاعته، فلا يكلَّف الجميع بالتكاليف نفسها، وإنما كلٌّ حسب قدراته التي حباه الله بِها، ولكن في المُجمل تسير جُموع الشباب في اتِّجاه النهضة، وفي طريق العزَّة؛ لتحقيق الهدف المرجوِّ منهم، فهم إمَّا في مَحاريب الآخرة يتضرَّعون ويبتهلون، وإمَّا في محاريب الدُّنيا يكدحون ويُجاهدون ويقاومون الشرَّ والفساد، أمَّا ما دون ذلك من مواطن العبث واللَّهو - فضلاً عن مواقع الإفساد - فهم أبعد الناس عنها، يُجاهدونها كما يجاهدون شياطينهم، ويقاومونها كما يقاومون الفكرة الخبيثة في رؤوسهم.

إن مرحلة الشَّباب غالية غلاء الذَّهب والماس، وإنَّ الفروض أكثر من الأعمار والدقائق والساعات، وكلُّ دقيقة تَمرُّ من حياة الإنسان لا تعود مرَّة أخرى، فإنِ استُثمِرَت في خيرٍ عادت بالخيْر، وإن ضاعت هباءً في عبَثٍ أو لَهْو فلا قيمة للحياة حينئذٍ، فإنَّما تَكْتسب الحياةُ قيمتها من بذل الإنسان فيها، والثِّمار التي يَجْنيها بنفسه، أو يجنيها بَنُوه من بعده، فمن وجد خيرًا فلْيَحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه..




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات