آخر المواضيع

mercredi 11 février 2015

تأثير المسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية

تأثير المسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية

(فئة المراهقين أنموذجًا)


((1))
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيِّدنا محمد خاتم النبيِّين وعلى آله وصحبه الطيِّبين.

أمَّا بعدُ:
بريقٌ أخَّاذ طبع الكلمة والصُّورة الآتية من وراء البحار عبر مختلف وسائل الإعلام والاتِّصال، المقروءة والمسموعة والمرئية، أغلبها أجنبية وافدة من الغرب أو متأثِّرة به، ولا ريْب أن تأثيرات هذه الوسائل قد ضربت الأخلاق والمبادئ الإسلاميَّة في الصَّميم، وأثَّرت على توجُّهات قطاع كبير من أبناء الأمَّة وبناتها فكريًّا وسلوكيًّا، ولعلَّنا لا نبالغ لو قُلنا: إنَّ الإعلام العربي سهَّل مهمَّة دُعاة الغرب وتلقَّف كل منتن منهم، ليروِّج له في أوساط مجتمعاتنا على أنه الطَّبيعي والعادي.

ذاك هو الإعلام وما يقدِّمه من سموم في شكلٍ يروق النَّاظرين، ولن نجانب الصَّواب لو قُلنا أيضًا: إنَّ المسلسلات المدبلجة هي من أخطر ما وفد إلينا عبر وسائل الإعلام.

وعلى هذا الأساس تتمحور إشكاليَّة هذه الدِّراسة المتواضعة حول تساؤلات جوهرية ومنهجية؛ أهمها:
 ما هي أهم القيم غير الإسلامية التي تمرَّر عبر المسلسلات المدبلجة؟

 كيف استطاعت هذه المسلسلات إبهار المشاهدين وكسْب متابعتهم؟

 ما هي القنوات التي تبثُّ هذه السُّموم بشكل أكبر؟

 كيف تؤثِّر المسلسلات المدبلجة على شخصيَّة ونفسيَّة المراهق الجزائري خصوصًا، والذي يمثِّل صورة واقعية وعاكسة لبقيَّة الشَّباب في البلدان العربيَّة الأخرى؟

 وهل من حلول للحدِّ من هذا التَّأثير الهدَّام، بما في ذلك دور الإعلام الهادف في تغيير القيم السِّلبية التي تتركها هذه المسلسلات في عقول المشاهدين؟

وقد قسَّمتُ الدراسة إلى قسمين؛ قسم تنظيري، وآخر تطبيقي؛ بحيث خصَّصت القسم الأوَّل للحديث عن أهم القيم الدَّخيلة التي تنطوي عليها هذه المسلسلات، ووسائل جلْب الجمهور إليها، وقراءة في عناوين المسلسلات، ثم اقترحت مجموعة من التوصيات القابلة للتنفيذ.

في حين أفردتُ القسم الثَّاني من الدِّراسة لعرض نتائج الاستبيانات التي مُلئت من طرف (200) من تلاميذ المرحلة الثَّانوية بالجزائر، ثم قمتُ بالتَّعليق عليها.

وسأعرض ما تقدَّم في أجزاء مقسَّمة حسب العناوين التي اخترتُ أن أضبط بها هذه الدِّراسة:
القسم التنظيري من الدراسة:
إنَّنا لا نختلف لو قُلنا: إن الإعلام يقوم على خمسة ركائز، أولاها المرسل، وثانيها الرِّسالة الإعلامية، وثالثها الوسيلة الإعلامية النَّاقلة للرِّسالة ورابعها المستقبِل، وخامسها التَّأثير.

فماذا لو كانت الرِّسالة الإعلامية مجموعة من الأفكار والقيم الدَّخيلة المستترة في مسلسلات قادمة من خارج حدودنا، لتلج عقر ديارنا وتعشِّش تفاصيلها في عقول بناتنا وأبنائنا؟

لنقف بدءًا عند بعض المصطلحات التي ستتحَّكم في مسيرة هذا البحث، فأما التلفاز أو التلفزيون أو الرائي، فهو وسيلة من وسائل الإعلام والاتِّصال التي تعتمد على الصوت والصورة والحركة لنقلها إلى المشاهد.

بينما تُعَّرف القناة على أنها محطَّة بها مجموعة من التَّجهيزات وطاقم عامل بها، تعمل على بثِّ برامجها المختلفة عبر الهوائي إذا كانت قناة محليَّة، أو بوساطة الطَّبق اللاَّقط، مرورًا عبر الأقمار الصِّناعية إذا كانت قناة فضائية، وتختلف القنوات التلفزية ما بين مفتوحة وأخرى مشفَّرة، وما بين حكومية، وأخرى خاصَّة.

في حين يُعرَّف المسلسل المدبلج إلى العربية على أنَّه كل مسلسل يقوم بتمثيله مجموعة من الممثِّلين غير العرب، وبغير اللُّغة العربية، ويأتي من يترجم كلامهم صوتيًّا؛ حتى يخيَّل للمُشاهِد أن الممثِّل الأصلي هو من يتحدَّث، وقد تكون الترجمة حرفية فقط بإدراج العبارة المناسبة للحديث مكتوبة في شريط أسفل الشَّاشة.

والرَّائج في المجتمعات العربية حاليًّا هو وجود مسلسلات مدبلجة من تركيا والمكسيك، والهند وكوريا وأمريكا، وأمَّا السَّائد في الدبلجة، فهو استخدام اللَّهجة السُّورية خصوصًا.

أمَّا فيما يخصُّ الدِّراسة التَّطبيقية، فكانت العيِّنة المدروسة من فئة المراهقين، وليس من السَّهل تحديد فترة المراهقة عمليًّا؛ نظرًا للصعوبة التي تُواجه المختصِّين في تحديد نهاية وبداية فترة الطُّفولة ومرحلة المراهقة؛ لأنَّ التغيُّرات التي تحدث فيهما تتمُّ في مُدَّة تتراوح ما بين تسع سنوات وعشر، ويختلف الأطفال فيما بينهم في السنِّ التي يبدؤون فيها الدُّخول في مرحلة المراهقة، كما يختلف البنون عن البنات؛ إذْ تسبق البنات البنين بسنة أو اثنتين[1].

أوَّلا: أهم القيم غير الإسلامية التي تُمرَّر عبر المسلسلات المدبلجة:
يعدُّ التلفاز من أكثر الوسائل الإعلامية انتشارًا بين فئات المجتمع المختلفة، ومن أشدِّها تأثيرًا مقارنة بالوسائط الإعلامية الأخرى، فنجد هذا الجهاز يبثُّ الغثَّ والسَّمين، ويستقطب الصِّغار والشَّباب، الرِّجال والنِّساء، ولعلَّ المسلسلات المدبلجة قد أخذت نصيبا مُعتبرا من أوقات تتبُّع البرامج التلفزية، فنلفيها قد أثَّرت بطريقة سلبية على سلوك شبابنا وجعلته يتشرَّب قيما دخيلة عنه.

وفي ذلك تنافست الكثير من القنوات الفضائية العربية، محاوِلةً صرْف أبصار الشَّباب عن الطيِّب إلى الخبيث، كيف لا والعين مرآة القلب؟ ولذلك كانت اللحظات هي التي تولِّد الخطرات فاللفظات فالخطوات!

إن هذه المسلسلات تُسلسل عقول المتتبِّعين، ولا سيَّما المراهقين وهم في هذه الفترة الحرجة من حياتهم بحكايات قيس وليلى في القرن الحادي والعشرين، فتعْلق ملامح التبرُّج والسُّفور في عقولهم ويصير الحرام حلالاً والممنوع مرغوبًا بشدَّة، تمهيدا للتحرُّر تدريجيًّا من قيم المجتمع الإسلامية.

ونرصد الآن أهم ما تدعو إليه تلك المسلسلات من قِيَمٍ دخيلة على مجتمعاتنا المسلمة، والتي تنعكس على مسار تربية المراهق وسلوكه، وما كان هذا ليحدث لولا وجود كمٍّ معتبر من القنوات التي ديدنها إفساد أخلاق شبابنا، وتزيين الباطل لهم، وتقريب المنكرات منهم وهم جالسون في عقر ديارهم؛ لأنه باختصار: غزو ثقافي منظَّم يسعى لعلْمنة المجتمع المسلم!

1- تغريب المرأة المسلمة من خلال تقديم النَّموذج الغربي البرَّاق:
الاختلاط، الحريَّة المطلقة، التبرُّج، التملُّص من الواجبات الأسرية، وغير ذلك، كلُّها أساليب جعل منها الغرب طريقه لدخول المجتمع الإسلامي، متَّخذين أبواقًا عديدة يتصدَّرهم: الإعلام والعلمانيون، وقد جمعنا أساليب تغريب المرأة لبثِّها بين طيَّات هذا البحث، حصرًا لها وطلبًا لجمع شتاتها تحت عنوان واحد، وإن كان الحديث عنها يطول ويطول، فلو أطلقنا العنان لما يجول في الجَنَان، لما كفتْنا عشرات الدَّفاتر والأقلام!

إنَّ توظيف الإعلام من أجل تغريب المرأة المسلمة هي محاولة في طريق تغريب المجتمع المسلم كله؛ لأن المرأة هي نصف المجتمع وولدت النِّصف الآخر، وهذا مما لا يخفى على ذي بصرٍ، فكيف بذي بصيرة؟!

إنَّ ما تُقدِّمه المسلسلات المدبلجة من نموذج حياة، يدعو بطريقة غير مباشرة لإبراز المرأة الغربية وقد تجرَّدت من قيود المجتمع، لها الحرية المطلقة، لا يشوب حياتها سوى أخت لها أرادت بها مكرًا بسلب صديقها، أو تدبير المكائد لها مثلما هو شأن المسلسلات الآتية من المكسيك وأمريكا، وكوريا والهند.

ولا يختلف الأمر بالنسبة للمسلسلات التركية التي تُبيِّن المرأة المسلمة بنفس الطريقة، وذلك أَمَرُّ وأشدُّ وطأةً على قلوب من يدرك مدى تأثير مثل هذا الأمر على نفوس الفتيات والنِّساء المسلمات، اللَّواتي يبهرهنَّ هذا النَّموذج الحياتي، ويَحسبنَ أن المرأة الغربية في أحسن أحوالها، كيف لا والمساواة قائمة والحريَّة موجودة!

ومما يندرج تحت محاولة تغريب المرأة المسلمة، عن طريق بثِّ القيم غير الإسلامية التي تبثها المسلسلات المدبلجة ما يلي:
أ- تشجيع المرأة على المطالبة بالمساواة مع الرجل: تعرض مختلف المسلسلات المدبلجة المرأة ندًّا للندِّ مع الرَّجل، تفعل ما يفعل، وتسعى إلى ما يسعى إليه، وتُطالب بما هو حقٌّ له؛ ليكون حقًّا لها أيضًا، إنها دعوة غير مباشرة للمرأة المسلمة لتَحْذو حَذْوها.

يا لها من دعوة زائفة، بأصوات تحاكي الغرب وتنعق بما اتَّفق، ويا له من شعار أجوف، وتمرُّد على الأخلاق والطبيعة الإنسانية وانتكاس للفطرة!

بل تمرُّد على المصطلحات أيضًا، فأي مُساواة يقصدون؟
لعل الجواب المختصر هو: تغريب المرأة المسلمة؛ لأن طلب المساواة هو جزءٌ من هذا المخطَّط.

إنهم يريدون إبعاد المرأة عن دورها الأساسي في مملكتها، وتقويض نظام الأسرة التي تُبنى بها المجتمعات، إنهم يودُّون من المرأة المسلمة مُزاحمة الرجال في الوظائف التي لا تستقيم لأنثى ولا تتوافق مع طبيعة المرأة، إنهم يريدون إشاعة رُوح العداء والتحدِّي بين المرأة والرجل، دعوةٌ أطلقها الغرب وتلقَّفتها عقول أذيالهم من دُعاة تحرير المرأة في مجتمعاتنا، وما تلك المسلسلات إلا حلقة من حلقات التغريب.

إنَّ الإسلام قد أعطى المرأة حقوقًا، وفرض عليها واجبات، ولم يُفرِّق بينها وبين الرَّجل، فقال جلَّ وعلا: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228].

فحُقوقها مع الرَّجل مُتبادلة، كل طرف بما يُلائمه، ويتَّسق مع خِلقته وفِطرته التي فطره الله عليها، أمَّا الدَّرجة الزائدة للرَّجل في الآية، فهي درجة القَوامة، وهذا لا يتنافى أبدًا مع حُريَّة المرأة، فليست القوامة تسلُّط الرجل على الأنثى ولا إلغاء لشخصيتها، بل هي حفاظٌ عليها دُرَّة مصونة ولؤلؤة مكنونة، إنَّها مساواة تكامل، لا مساواة تنافُر، وإنَّه العدل الإلهي!

ب- تشجيع المرأة على المطالبة بالحرية: تُصوِّر مشاهد كثير من المسلسلات المدبلجة - وخصوصًا الآتية من المكسيك وأمريكا - أن المرأة يجب أن تكون حرَّة في تصرُّفاتها، تعمل ما تريد دون قيدٍ، ليس لتحرُّكاتها ضوابط، نجدها تضع كل ما يحدُّ من حريَّتها وراء ظهرها غير مبالية به.

أي حُريَّة يقصدون؟ وأي عُصَارَة لؤْمٍ فِي قرارة خُبْثٍ يرمون؟
إنهم يريدون ترْك الحبل على الغارِب للنِّساء، يريدون أن ينفلت زمام الأخلاق الفاضلة والقيم النَّبيلة من المجتمع المسلم، وإن انفرَط عقدُ الفضيلة، فستتهاوى حلقاته - حلقة، حلقة - حتى تحقِّق المرأة المسلمة الحرية المزعومة، ويعلو صوتها حينها: مرحى، لقد صرتُ حُرّة، كسرتُ قيود التخلُّف والرجعية، يا له من نصر تاريخي!

أقول لكل فتاة مسلمة ولكل امرأة مسلمة: حُريَّتُك في انقيادك لله، حُريَّتُك في امتثالك لأوامر دينك وتطبيقها، حُريَّتُك في برِّك وطاعتك لوالديك، حُريَّتُك في حُسن تبعُّلك لزوجك، حُريَّتُك في حِشمتك ووقارك وحجابك.

تحرَّري من الهوى الفاسد ومن الشهوة في غير محلِّها، تحرَّري من أنانيتك وسلبيتك، تحرَّري من قيود التَّبعية، كُوني أَمَةً لله، تَأْتَمِرين بأوامِره وتقِفين عند حُدوده التي شرعها لكِ، حينها فقط قولي ولن يلومك أحد: إنَّني حُرَّة!

ج- تزيين صورة الحضارة الغربية في عيون نسائنا: تعمل المسلسلات المدبلجة على إبراز النَّموذج الغربي بأبهى صوره، وأجمل حُلله، وكأنَّ المرأة الغربية في أزهى عهودها، فهل هو فعلاً كذلك؟!

إن الواقع يكذِّب كل هذه الدَّعاوى، فلا يَغُرَّننا النَّموذج الحضاري الغربي، وليس علينا أن نتشدَّق بهذا الوهم؛ لأنَّه نموذج زائف، لستُ أنا القائلة وإنما شهد شاهد من أهلها، وما أكثرهم!

هذه "سالي جان مارش" التي عاشت بعيدة عن الله سنوات من عُمرها حتى هداها الله وأنار بصيرتها، تقول: "إنَّنا نخشى أن تخرج المرأة الشَّرقية إلى الحياة العصرية، ينتابها الرُّعب لما تشهده لدى أخواتها الغربيات، اللاَّئي يسعين للعيش وينافسن في ذلك الرَّجل، من أمثلة الشَّقاء والبؤس كثيرة"[2].

وهذه الكاتبة "مس إترود" تستهجن ما آل إليه المجتمع الإنكليزي، مع بداية تحقيق مبدأ المساواة، وخروج المرأة من مملكتها، فتقول: "إنّه لعارٌ على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثلاً للرَّذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما بالُنا لا نسعى وراء ما يجعل بناتنا تعمل على ما يُوافق فطرتها الطبيعية، من القيام في البيت، وترْك أعمال الرجال للرجال؛ سلامةً لشرفها؟!"[3].

د- تشجيع الاختلاط: إننا نجد المسلسلات المدبلجة تُزيِّن الاختلاط بين الذكور والإناث، وتجعله من رُوح العصر ومتطلَّباته، فالاختلاط في المنزل؛ حيث يصير إخوان الزَّوج والأصدقاء والجيران وكل من يدخل المنزل من محارم المرأة!

وتصير بنات الخال وبنات العمِّ في عيون الرَّجل مثل الأخوات!

والاختلاط في أماكن الدراسة والعمل، لا كوضع مفروض يتعامل معه بوقار واحترام وحشمة، بل بكل ميوعة وانفتاح!

أضف إلى هذا ضعف الوازع الديني ورقَّة الدِّين، فماذا ننتظر؟!
إنَّ لمشاهد الاختلاط بين الجنسين مفاسدَ كثيرة، تتكرَّس أكثر حين يُشاهد المراهق خصوصًا أبطاله المزعومين من الجنسين وهم يضحكون ويتبادلون الكلام اللَّطيف دون أدنى حياء، فيُهوَّن هذا المنكر العظيم في النُّفوس، ويصير عدم الاختلاط هو الأمر غير العادي، وهنا يكون ما بعد الاختلاط من الإفساد أهون وأسهل!

هـ- تشجيع ثقافة العُري للمرأة بين أفراد الأسرة، وتشجيع ثقافة التبرُّج والعري، والتعطُّر والزِّينة خارج البيت: لعلَّنا نبدأ هذا العنصر بسؤال: من أين للمرأة المسلمة بمظاهر التبرُّج والعُري والسُّفور من دون ذاك الجهاز الذي يبثُّ الغثَّ والسَّمين؟

وإنَّه مما زاد انتشار هذه الثَّقافة الغريبة عنَّا تلك المسلسلات القادمة إلينا من وراء البحار بثقافة غير ثقافتنا، فنجد الممثِّلين يتبارون في لُبْس أجمل الثِّياب، والأجمل في عُرف الغالبية من مصدِّري تلك السُّموم، هو ما يكشف أكثر مما يغطي جسم تلك البطلة، وما يتماشى مع الموضة هو الأنسب!

فتظلُّ تلك المراهقة مشدودة للبطلة بلباسها وأناقتها، معجبة بها، ولعلَّها تردِّد في سرِّها: ليتني هي!
ولا تتعلَّق ثقافة العُري بالخروج من المنزل، بل نجد اللِّباس القصير والضيِّق وغير اللاَّئق من لوازم أناقة الممثِّلة أمام محارمها أيضًا داخل البيت - حسب الدَّور الذي تلعبه في المسلسل - فتلبس البنت أمام والدها وأخيها ما لا يجوز أن تلبسه المسلمة أمام امرأة من بنات جنسها!

ولن يكتمل جمال البطلة دون الزِّينة التي تضعها على وجهها، ورشَّات العطر التي عليها أن تفوح وتترك أثرًا خلفها!

وبعد كل هذا تخرج وكأنَّ شيئًا لم يحدث! والوجهة جامعة لتدرس أو مكان لأداء وظيفتها، أو ربما مرقص أو مكان للقاء الحبيب!

وحين تتكرَّر الصورة من مسلسل لآخر، يصبح العُري ثقافة عادية، والتعطُّر والزِّينة قبل الخروج من مكمِّلات الأنوثة، ولا يهم إن كان أمام المحارم أو غيرهم، ولا يهم أيضًا إن كان داخل البيت أو خارجه، فنجد المراهقة تقتدي بجزءٍ أو أجزاء من تلك المشاهد المصدَّرة إلينا؛ لأنَّ ترسُّب الأفكار يولِّد لدينا التعوُّد والقَبول.

لقد عاد تصدير مثل هذه النَّماذج الدَّخيلة وتثبيتها في الأذهان مهمَّة سهلة جدًّا بوجود الإقبال الشَّديد من فتياتنا على هذه المسلسلات، فعوض أن ترى الفتاة نماذج من النِّساء المسلمات اللَّواتي يفتخرن بالحجاب والعِفَّة وحُسن الخُلق، فإنها ترى نماذج لنساء يتباهين بالموضة وعرض المفاتن، وما أبعد هذا عن ديننا وأخلاقنا العامَّة!

وديننا لا يمنع التزيُّن ولا الظهور بهيئة حسنة، لكنَّه يضع ضوابط لذلك، فلقد خلق الله عزَّ وجلَّ الإنسان في أحسن صورة وحباهُ من الصِّفات ما جعله في أحسن تكوين، وأتَم خلق، والإنسان بطبعه يميل إلى إضْفاء لمسات جمالية على خِلقته الأصلية، أوَّلها؛ الاعتناء بنظافة البدن، كالغُسل والوضوء وسُنن الفِطرة، ونظافةُ الملْبس والمكان.

على أنَّ الزِّينة بالنِّسبة للمرأة المسلمة تحكُمها ضوابط وتقيِّدُها شُروطٌ، نوجزُها دون تفصيل في: عدم التبرُّج وضرورة ستر الزِّينة، وعدم إظهارها إلا لمن تجوز له رُؤيتها، ومراعاة حدود الزِّينة أمام النِّساء، وألا ترتكب المرأة بزينتها حرامًا، وألا تتشبَّه بالكافرات وأهل الكتاب والفُسَّاق، وألا تتزيَّن بما فيه ضرر وبما يخالف الشَّرع - من الثَّوب الضيِّق أو الشفَّاف - وأن تتجنَّب لباس الشهرة، وتراعي الاعتدال وعدم الإسراف، مع حُسن القصد وعدم التغرير[4]، فأين بناتنا من هذه الضَّوابط؟!

و- الدعوة الصريحة لإقامة العلاقات المحرَّمة والتساهل في تكوينها وممارسة الزِّنا: أكاد أجزم أن في كلِّ مسلسل مدبلج علاقة محرَّمة أو أكثر، بل قد يُبنى المسلسل كلُّه على تلك العلاقة، وليس مسلسل العشق الممنوع ببعيد! فموضوع المسلسل الذي تدور حوله 165 حلقة يتحدَّث عن علاقة حبٍّ بين امرأة متزوِّجة وشابٍّ ربَّاه زوجها كبير السن بعد وفاة والديه!

وما هذا إلا غيض من فيض، والخطر أكبر حينما يحاولون إبراز الظَّاهرة لا على أنها مرض اجتماعي وَجَبَ محاربته، بل يجدُّون في اختلاق الأعذار لتصوير الذَّنب في صورة حبٍّ تلقائي، والإجهاض كحلٍّ مؤكَّد لعلاقات الزِّنا، والخيانة الزَّوجية كنتيجة حتميَّة للخلافات!

والحبُّ المزعوم كثيرًا ما يبدأ بتحرُّش جنسي يُقابل بالتَّرحاب من الطَّرف الآخر، وقد تعدَّدت مظاهره في هذه المسلسلات، فقد يكون التحرُّش الجنسي بحركات كنظرات ثاقبة تُذيب الحياء، أو لفظيا بإطلاق كلمات نحو المرأة توحي إلى ذلك أو تحرُّشًا جسديًّا باللَّمس، أو محاولة المداعبة، وهو تَعَدٍّ صريح على شرف المرأة.

فيُزيَّن هذا المنكر في عيون شبابنا، ولن يعود خدْشًا للفطرة السَّليمة، وانحصارًا لرداء الحياء، وإثارة محرَّمة للغرائز والرَّغبات، بل يصير القدرة على امتلاك قلوب الفتيات، أو التمكُّن من اصطياد الشَّباب، وإيقاعهم في الشِّباك!

2- نشر المعتقدات النَّصرانية والبوذية والعادات الغربية:
معتقدات نصرانية وبوذية وعادات اجتماعية، لا تَمُتُّ للمسلمين بصلة، نجدها ماثلة في جل المسلسلات الوافدة علينا من المكسيك والهند وأمريكا، بشكل يوحي أنها جزء من تفاصيل المسلسل، بيْد أنها ليست بريئة!

مثل ذلك أعياد النَّصارى واحتفالاتهم، والنَّتيجة مجاراة الكفَّار والكافرات في أعيادهم، وبالتَّالي تَضعُف عقيدة الولاء والبراء لدى المسلم، ولنصغي لكلام من لا ينطق عن الهوى، وهو يخاطب أُمَّته عليه صلوات من ربي وسلام، قائلاً: (((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ))، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى، قَالَ: ((فَمَنْ))[5].

وكم كثُرت المناسبات التي يقلِّد فيها المسلمون غيرهم؛ سواء التي تعلَّقت بالدِّين، أو بالتقاليد، وازدادت العقدة تعقيدًا حينما اعتُرف بهذه المناسبات كأعياد، والكثير يردِّد دون استحياء: إنَّه عيد رأس السَّنة، وإنَّه عيد الأمِّ، وإنه عيد الحبِّ! متناسين أن الأعياد من خصائص الأديان، والإسلام الذي ارتضاه لنا ربُّنا دينًا، قد أكمله وأتمَّ نعمته علينا، فكيف نبتغي الهدى ونرجو السَّلامة في غيره؟

3- الترويج للحصص الفنيَّة الهابطة والمنتجات الأجنبية، عن طريق الإشهار الذي يتخلَّل عرض المسلسلات:
لا شك أن الإشهار يأخذ حيِّزًا من وقت البثِّ التلفزيوني في مختلف البرامج التي تقدِّمها أي قناة، فماذا لو كان البرنامج مسلسلاً يستقطب عددًا هائلاً من المشاهدين؟

يبدو أنها فرصة لا تُعوَّض لعرض ما أمكن من منتجات أجنبية، فإن لم يكن منتجًا، فهو تذكير بموعد سهرة فنيَّة، ويستمر العفن في كل دقائق العرض من لحظة بداية المسلسل إلى آخره!

5- الترويج للغناء والموسيقا:
يبدو أن المسلسل لا يكتفي بعرض ما هو سلبي من القيم أثناء سير الأحداث فقط، بل إنه يروِّج للغناء والموسيقا عن طريق شارات البداية والنِّهاية لكل مسلسل، وما قد يتخلَّلُه من الأغاني المناسبة للموقف الرومنسي بين البطلين؛ حتى يحلو الكلام، ويندمج المُشاهد مع المشهد!

وماذا لو تابع المشاهد أغنية البداية والنِّهاية مائة مرة بدايةً ومائة مرة نهايةً خلال أيَّام العرض، الأكيد أنَّه سيحفظ الأغنية عن ظهر قلب، وربما حفظ نوتاتها أيضًا، وصار يُدندن بها من غير قصد!

6- التَّهوين من أمر التَّدخين والخمور والمخدرات:
كثيرًا ما تكون السيجارة رفيقة رجل الأعمال، أو تكون التعبير المباشر عن الغضب والقلق، وكثيرًا ما يُعاقر الرَّجل الخمرة في مشهد خليع، وقد تكون المخدرات السُّلوك الإرادي لنسيان الهموم والمشاكل، فتهون في نظر المشاهد هذه السُّموم مع كثرة تَكرارها في مشاهد المسلسل الواحد، فكيف إن تكرَّرت في أغلب المسلسلات!

7- الإجرام:
الإنسان ليس كائنًا يعيش بمَعزلٍ عن المجتمع، بل هو جزء منه يتأثَّر به ويؤثِّر فيه سلبًا وإيجابًا، ومن هنا فقد يتأثَّر المشاهد بما يراه من عنفٍ في محيطه وداخل مجتمعه، أو قد يتأثَّر بما تعْرضه وسائل الإعلام المختلفة من مشاهد تُروِّج للعنف وتُشجِّع عليه، وهذا ما نلفيه في كثير من المسلسلات المدبلجة، خصوصًا الأمريكية منها، فقد أكَّدت بعض الدِّراسات وجود علاقة بين وسائل الإعلام والسُّلوك الإجرامي، وذلك من خلال عرضها للصُّور الإجرامية عرضًا مُغريًّا مُشوِّقًا، يُسلِّط الأضواء على بعض أنواع الإجرام، ويُغري بارتكابها[6]، فيتولَّد العنف لدى الصَّغير ويكبر معه، أو كبيرا فيتقبَّله، إلى أن يكون طرفًا فيه.

(فئة المراهقين أنموذجاً) ((2))


تعرَّفنا في الجزء السَّابق من الدِّراسة على مختلف القيم غير الإسلامية التي تمرَّر عبر المسلسلات المدبلجة.

ونتعرَّف في هذا الجزء على الوسائل التي تُتَّخذ لجلب الجمهور العريض لتتبُّع هذه المسلسلاتبما في ذلك فئة المراهقين.

ثانيا: وسائل جلب المشاهدين:
يعمد المنتجون وأصحاب القنوات العارضة للمسلسلات إلى اتِّباع وسائل مختلفة من أجل جلب المشاهدين والتَّأثير فيهم، من أهمها:
1- العمل على انتقاء الممثِّلين انتقاء يعتمد على جمال الشَّكل والوسامة، فيكون البطل رشيق القدِّ أهيف القامة، وتكون البطلة من ذوات الحُسْن البارع كأنها دمية عاج، بدليل أنَّ مِن الممثِّلات في الدراما التركية مَن هُنَّ ملكات جمال تركيا، أو كنَّ من المتنافسات على اللَّقب، ومن الممثِّلين مَن هم مِن عارضي الأزياء! ناهيك عن توظيف المختصِّين في تسريحات الشَّعر وتزيين الوجوه ليزداد جمال النُّجوم جمالا، ويزداد تعلُّق المشاهد بأنواع الحُسن المصطنع!

2- إتقان لغة الصُّورة المرئية في شكلها النِّهائي بكل ما تحمله من العناصر الجزئية التي تساهم في إتمام العمل، من تصوير ومونتاج وإخراج، وعمل جماعي منسجم بين طاقم إعداد المسلسل.

3- دون أن نغفُل عن: عُمْر المسلسل الواحد، فعنه حدِّث ولا حرج! وليس من العبث في عقول من يدبِّر ويخطِّط، أن يكون المسلسل المدبلج الواحد ممتدَّا عبر أشهر من العرض اليومي، في جزء أو أكثر! فكلَّما طالت عِشرة المشاهد لشخصيات المسلسل الواحد، كلَّما زاد الرِّباط الذي يجمع بينهما، وحتى بعد آخر قطرة سُمٍّ تُبثُّ مُعلنة انتهاء المسلسل تبقى الذِّكريات قائمة تصحب المشاهد في لا وعيه، لتَظهر على تصرُّفاته من حيث يدري ومن حيث لا يدري!

ثم إنَّ المسلسل الواحد الذي يفرَع أترابه طولا، لن يجد مُنتِجوه سوى التَّدقيق في التَّفاصيل ليتمَّ العدد المنشود من الحلقات، وهذا بدوره يُساهم في رسوخ الأحداث لدى المشاهد.

4- دبلجة المسلسلات بلسان اللَّهجة الشَّاميَّة، آخذين بعين الاعتبار انتشار ونجاح الدراما السُّورية عند الجمهور العربي قبل الدراما المدبلجة، مما يسهِّل مهمة البثِّ من طرف القناة والاستقبال من طرف الجمهور.

5- القُدرة على المواءمة بين كلام الممثِّل بلغته الأم، واللَّهجة المترجم إليها، بالاعتماد على تطابق حركة الشِّفاه النِّهائية، والتي تُعرَض على الشَّاشة أخيرا، مما يُقرِّب المشهد من المُشاهد.

6- ومن أجل جلب الجمهور المشاهد أيضا، غُيِّرت عناوين بعض المسلسلات وأسماء بعض الممثِّلين، فلمَ يُغيَّر عنوان مسلسل تركي مدبلج يحكي قصَّة السُّلطان سليمان القانوني – مع تحفُّظي على المسلسل - من (القرن العظيم) إلى (حريم السُّلطان) إذا لم يكن لغاية ما!؟

إنَّني لا أرى سببا غير التركيز على الجانب العاطفي من حياة السُّلطان سليمان، ووضع لمسة أنثوية على أحداث المسلسل لحصد متابِعات أكبر!

وكثير من الأسماء الأجنبية للممثِّلين عُدِّلت إلى أسماء عربية، والهدف أيضا هو تقريب حياة أبطال المسلسل -بدءا من أسمائهم- إلى البيئة العربية، لتلقى قَبولا من طرف المشاهد العربي.

7- لجوء القنوات التي تعرض المسلسلات المدبلجة إلى البثِّ الحصري الذي يضمن لها التفرُّد بعرض المسلسل، فيتهافت عليه المشاهدون رغبةً في التميُّز بمشاهدة الحصري أيضا.

8- الدعاية للمسلسل الذي يسبق عرضه، ثم يتزامن مع بثِّه أيضا وبطريقة مشوِّقة، فيصير العمل الدرامي مُنتظرا باليوم والسَّاعة والدَّقيقة، ويصير لسان حال المدمن على متابعة المسلسلات: إن الغد لناظره قريب، فصبرًا جميلاً!

9- اتَّصل.. أجب عن الأسئلة... واربح... تلك طريقة أخرى للتَّرويج المؤسَّس للمسلسلات المدبلجة، إذ تُقام مسابقات عبر القنوات التي تَعرض لهذه المسلسلات، تدور أسئلتها حول أحداث المسلسل، بُغية كسب الجمهور المتابع، ينال فيها الفائز مبلغا من المال أو رحلة سياحية، مما يُضيف سببا آخر للمُشاهد لمتابعة الحلقات المعروضة، وبتركيز أكبر واهتمام أكثر!

10- إفراد المقالات والصُّور المتعلِّقة بأحداث المسلسل المدبلج وأبطاله، وصفحات أخرى لأخبار نجوم سماء الدراما المدبلجة، مع إمكانية التَّعليق عليها، وكل هذا عبر بعض المواقع التَّابعة لقنوات عرض تلك المسلسلات.

11- أضف إلى ما ذكرنا: التنوُّع الحاصل في عرض المسلسل، فنراه على شاشة التلفاز على تردُّد إحدى القنوات الأرضية أو الفضائية في وقته المعتاد والمعلن عنه، ولكي لا يبتئس من فاتته حلقة منه، فإنَّ أغلب القنوات تُبرمج إعادة ثانية للحلقة السَّابقة، ولعلَّ المشاهد العربي يُظهر ذكاء متَّقدا في مثل هذه المواقف، ويجد حلاًّ لمصيبته... عفوا، بل لفوات أحداث حلقة من مسلسله المفضَّل، فيقلِّب نظره في مختلف القنوات ليجد عرضا موازيا في قناة أخرى لمسلسله الذي أدمن عليه!

وربما أعيد المسلسل بأكمله في فترة لاحقة، إذا ما نال شهرة واسعة، فكل المسلسلات إذن تُقدَّم للمشاهد العربي على طبق من ذهب، ليس عليه سوى التفرُّغ للمشاهدة وضغطة زر!

12- أمَّا إن كان المشاهد يملك اتِّصالا بشبكة الإنترنت، ففُرص المشاهدة تُضاعف، لأنَّ أغلب حلقات المسلسلات ولا سيَّما المنتشرة منها، نُلفيها كاملة عبر مواقع بعينها مثل اليوتيوب وغيره، مما يسمح للمُتابِع بمشاهدة أو إعادة مشاهدة ما يشاء من حلقات، أو تحميل ما يريد من الحلقات لمتابعتها وإعادة متابعتها وإعادة إعادة متابعتها!

(فئة المراهقين أنموذجا) (3)


تعرَّفنا في الجزء الأوَّل من الدِّراسة على مختلف القيم غير الإسلامية التي تمرَّر عبر المسلسلات المدبلجة، ثم توقَّفنا في الجزء الثاني عند الوسائل التي تُتَّخذ لجلب الجمهور العريض لتتبُّع هذه المسلسلات بما في ذلك فئة المراهقين.

ونتحدَّث في هذه الأسطر عن عناوين المسلسلات وما تخلِّفه من آثار اجتماعية ونفسية.

ثالثا: قراءة في عناوين المسلسلات المدبلجة:
يعتبر بوَّابة المسلسل، والعتبة التي يلج منها المشاهد لأحداثه... إنَّه العنوان، تلك الكلمات التي تُطوِّق المسلسل، وتُتيح لنا فهما مُسبقا لحبكة أحداثه ومآلها، وتعطينا تصوُّرا عن شخصياته، لذلك لنا وقفة مع عناوين المسلسلات، لما لهذا العنصر من أثر في استيفاء عناصر الصُّورة التي رسمناها لموضوعنا.

ومن ملاحظاتنا المختلفة وتتبُّعنا لعناوين المسلسلات التي عُرضت وتُعرض على مختلف القنوات، فإنَّنا نلفي عناوين متنوِّعة تطبع المشهد الدرامي، ولكن رغم اختلافها فإنها لا تخرج عن أربعة أطر:
• عناوين بمسمَّيات أبطال المسلسلات.
• عناوين تدلُّ على الضَّياع والأحاسيس السِّلبية.
• عناوين توحي بجمال الحياة والأحاسيس الايجابية.
• عناوين تجمع بين نقيضين.

أ. عناوين بمسمَّيات أبطال المسلسلات:
إنَّ هذا النوع من العناوين يعمل على ترسيخ صفات معيَّنة تحت مسمى البطل أو البطلة، ولعلَّ هذا الأمر كان من الأسباب المباشرة التي أدَّت إلى انتشار أسماء بعينها بين المواليد الجُدد خلال فترات عرض بعض المسلسلات المدبلحة، كردِّ فعل للإعجاب بهذه الشخصيات.

وكثيرا ما تختار الأسماء أثناء دبلجة المسلسل بعناية فائقة ويُبدَّل الاسم الحقيقي إلى اسم آخر مناسب للبيئة العربية، مما يسهِّل رواجها بين المشاهدين، وكعيِّنة على ذلك نجد بين مسمَّيات المسلسلات التركية: نور، ميرنا وخليل، فاطمة، عاصي، جواهر، وغيرها كثير.

أما المسلسلات القادمة من أمريكا الشَّمالية فكثيراً ما يُحتفظ بأسمائها اللاَّتينية على شاكلة روبي وتريزا وماريا إيلينا وماريانا وماري تشوي، ومن الهند نسمع بسلمى ولالي، وطلَّ علينا الجنس الأصفر بدوره بعناوين ذات أسماء غريبة عنَّا بكل المقاييس، ورغم ذلك لاقت رواجاً وتتبُّعا ملحوظا مثل السَّاحرة يوهي وهانا كيمي!

من غير أن نتناسى الدراما الإيرانية التي تبثُّ مسلسلاتها تحت شعار الدِّين، وتحت مسمَّيات لا يجهلها أقل مطَّلع مِنَّا على قصص القرآن الكريم وسير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعرض حياة بعض الأنبياء والصَّحابة، فنجد: يوسف وأيُّوب -عليهما السَّلام- ومريم بنت عمران والإمام علي وابنه الحسن –رضي الله عنهما- وتبقى أعمالا تبشيريّة للمذهب الشِّيعي الإثني عشري، تحاول من خلالها السياسة الإيرانية استقطاب أبناء المسلمين من السُنَّة عبر عناوين المسلسلات التي تُعبِّر عن مضامين تاريخية محرَّفة تخدم مذهبهم.

فالعنوان في هذه الحالة إذن، يجعل المشاهد -ولا سيما المراهق- مشدودا لشخص معيَّن، بكل ما يحمله من صفات من خلال أداء دوره في المسلسل، أو يجعل المشاهد يتطلَّع لمشاهدة المسلسل إذا ما رُبط بسيرة أحد الأعلام.

ب. عناوين تدلُّ على الضَّياع والأحاسيس السلبية:
إنَّ هذا الصِّنف من العناوين له دلالات مباشرة عن حالات الضَّياع النَّفسي للفرد، مثل: العمر الضَّائع، سنوات الضَّياع، غربة امرأة، صرخة حجر، اللَّحن الحزين، لحظة وداع، رماد الحب، قلوب منسية، الغريب، رجل بلا قلب، المرأة الجافَّة، حدُّ السكِّين.

ولعلَّها هي الأخرى تُعدُّ منفذا لكل من يعاني من مشكلة مشابهة، بحيث يُسقط معاني أحداث المسلسل المختزلة في ذلك العنوان على حياته، فيتعلَّق بالمسلسل وأبطاله، ويحس أنَّ الشخصية تمثِّله وتُعبِّر عن أحواله، فينفصل جزئيا عن المجتمع ليُلقي بأحلامه وآماله على ما سيشاهده من تطوُّر في أحداث المسلسل.

لكن هناك ما هو أخطر من هذا، حين نتساءل: أي ضياع وأي ألم وأي حزن يقصدون؟
إنَّ المتتبع للمنحى الدرامي لمثل هذه المسلسلات يجد أن الحزن ينبع من خيانة صديق لصديقته، والضَّياع يتولَّد من عدم نجاح علاقة محرَّمة، والألم ينبعث من قلب شاب أخفق في امتلاك فتاة فاتنة!

فالعنوان في هذه الحالة إذن، يجعل المشاهد -ولا سيما المراهق- مربوطا بالحالة الاجتماعية أو العاطفية لأبطال المسلسل بكل ما تحمله من معاناة وآلام ومتاعب، والتي تسير في غير منحاها الصَّحيح.

ج. عناوين توحي بجمال الحياة والأحاسيس الايجابية:
تعبِّر هذه العناوين عن كل ما هو جميل من الأحاسيس الإنسانية السَّامية التي يحتاجها كل واحد منَّا، لكن هذه المشاعر الطيِّبة غالبا ما تأتي من العلاقات المحرَّمة، فيزيَّن الشُّعور الفطري الجميل في إطار من الخبث والمكر، مثل: ويبقى الحب، رباط الحب، زهرة الحب، قَصر الحب، طريق الصَّداقة، حُلم الشَّباب، الرَّجل اللَّطيف، شريك عمري.

فيرسخ اعتقاد لدى المشاهد المراهق الذي لم تصقله تجارب الحياة بعد، أنَّ الحب لا يأتي إلا عند لقاء حبيب بحبيبته بعد أن حُرم منها، ولا يُستلذُّ طعم الهناء إلا إذا تمرَّدت الفتاة على قيم مجتمعها وقرَّرت أن تربط مصيرها بمن أحبَّته رغم كل الصِّعاب، ولا يكون الاستقرار النَّفسي إلا إذا تصادقت المرأة مع رجل يعرف معنى الصَّداقة الحقيقية، ولا يعرف الرجل معنى الرومنسية إلا إذا أحاط بها صديقته قبل الزواج!

فالعنوان في هذه الحالة إذن، يقلب المعاني الحقيقية للقيم النَّبيلة ويحصرها في مواقف بعيدة عن ديننا وعن مجتمعنا كل البعد، فترتسم الدنيا أمام المشاهد بطريقة الآخر.

د. عناوين تجمع بين نقيضين:
ونأتي للفئة الرابعة، والتي يجمع فيها العنوان بين متناقضين، وليس التَّناقض هنا تناقض ضدٍّ معنوي خالص، وإنما هو نقضٌ للقيمة الإنسانية الأولى، فبعد أن يُدغدغَ الشُّعور بمعنى جميل من أوَّل كلمة في العنوان، تنهار القيمة مباشرة بعده، مما يدلُّ على تيه المتلقي بين جمال القيمة الشُّعورية واستحالة تحقُّقها في الواقع، وبهذا يختلُّ المؤشِّر العاطفي، خصوصًا إنْ كان المتلقي من صنف المراهقين يُعايش شعورا شبيها، مثل ذلك: الحب... المستحيل، الحب... المحرَّم، الحب... والحرب، الحب... والعقاب، الحب... الأسير، الحب... السيء، حب... وندم، العشق... الممنوع، الحلم... الممنوع، الحلم... الضَّائع.

فالعنوان في هذه الحالة إذن، يجعل من الحياة مقبرة للأحاسيس الجميلة، ويعمد إلى ترسيخ فكرة انعدام الحب بين الأفراد، واستحالة تحقيق الأحلام والآمال، وحين يصبح الفرد مؤمنا بهذه الفكرة فإنَّ نبع الأحاسيس الجميلة عنده ينضب، لعدم وجود من يبادله نفس الشعور، أو لنقل: لاعتقاده أن كل شيء جميل في الحياة لا بد أن يصطدم بالمستحيل وما يدور في فلكه.

وبنظرة عامَّة عن تلك العناوين -وبغض النَّظر عن تصنيفها- نجد أن كلمة (الحب) قد شغلت الحيِّز الأكبر منها، وتكرَّرت وبصيغ مشابهة، مثل العشق والهوى، مما يثبت ما ذهبنا إليه سابقا من كوْن العلاقات العاطفية هي أبرز الموضوعات التي تُعالجها الدراما المدبلجة الآتية من وراء البحار.

أما المسلسلات الأمريكية فيُحتفظ بأسمائها وبلغتها الإنجليزية غالبا، حتى لو كان المسلسل مدبلجاً صوتياً، خلافا للمسلسلات سابقة الذكر، والأمر لا يختلف كثيرا مع بقية أنواع الدراما الأخرى.

ونشير -ونحن نتحدَّث عن عناوين المسلسلات- إلى ظهور مصطلح جديد أصبح ينتشر بين فئات المراهقين والمراهقات كعنوان جامع، ويُدعى بالدراما المدرسية، وخُصَّت به المسلسلات الكورية واليابانية، بحيث يحاول أبطال هذه المسلسلات تصوير المحيط المدرسي، وكل ما يمكن أن يحدث لمراهقين ومراهقات جمعتهم أسوار الثَّانويات، من مشاكل وصعاب وحب وغيرة، في جو من الاختلاط المباح والصَّداقة "البريئة"!





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات