آخر المواضيع

mercredi 11 février 2015

المراهقة: هل لها أصل شرعي؟

المراهقة: هل لها أصل شرعي؟


من المنظور الإسلامي لا نرى ما يُسمَّى بمرحلة المراهقة كلفظ شرعي، ذلك المسمى الذي نُطلِقُه على القالب الخانق الذي نضع داخله أبناء المسلمين عَنوةً؛ لنبرر عدم فهمنا لهم، وسوء تواصلنا معهم.

وإن كانت لفظة مستخدمة عند العرب تعني: مقاربةَ البلوغ، وليست من الطفولة إلى ما بعد البلوغ بأعوام، كما هو استخدامها حاليًّا، وتستخدم بمعانٍ أخرى نجدُها في القرآن والسنة، لكن ليست بذاك المعنى المعاصر الذي يشعرنا بــ (مرحلة الأزمة).

أما إذا نظرنا للمرء المسلم بالفهم المعاصر "للمراهقة"، لوجدناها:
المرحلةَ الخانقةَ، والفاصلة في الأسرة، ما بين كسب الأبناء أو ضياعهم - لا قدر الله.

وهي فكرة في الحقيقة مستوردة، غريبة عن المنهج الإسلامي؛ إذ تُعامل المسلم كمريض يُعاني هَلْوساتٍ عاطفيةً ونفسيَّةً، ولا تؤاخذه على كثير من أخطائه، في حين أنه صار مكلَّفًا؛ وذلك لأن تلك المراهقة المزعومة تتَّسِعُ إلى ما بعد البلوغ.

ونرى داعمي هذه الأفكار كل حين يمدون لنا سنَّ الطفولة (مجتمعيًّا) لنظلَّ ننظر إلى الشاب والمرأة المسلمة على أنهما غيرُ عاقلَيْنِ، وغير مكتملي النُّضجِ، يَقتُلُ أو يزني ولا يُحاسَب بما شرعه الله من حساب.

إنه والله الإفساد في الأرض الذي يريدون لنا.

نعود إلى المنظور الإسلامي؛ لنرى أن هناك الطفولة، والبلوغ ("بلغت المحيض"، "بلغ الحلم")، والشباب... وغيرها من المراحل المعروفة.

فنرى الطفولة في الإسلام مرحلةَ رحمة واسعة من الله، جعلها للإنسان يتدرب على الطاعات، ويؤجر دون وزر، ومع ذلك نجد الصبيَّ فيها يَؤُمُّ الرجال، ونجد أنه يُثاب على الطاعات.

يؤمر فيها بالصلاة لسبع، وهنا إشارة إلى بداية التمهيد للتكليف، ويصلي قبل تلك السن بالتعويد ومتابعة الأهل - قدر الإمكان - بلا توبيخ أو مشقة.

ثم يبدأ سن الفهم الملموس للعقوبة، وهو الضرب لعشر؛ أي: إنه هنا يحتاج إلى فهم وإدراك جزاء التقصير.

ثم يأتي البلوغ ونعلم أن ذلك بقدر الله، فلا يبلغ جميع البنات والصِّبية لنفس العمر، تختلف بين الأنواع وبين أفراد النوع نفسه، وذلك من حكمة الله.

وقد يجد بعض الآباء صعوبةً في قيادة دفَّة التعامل أثناء هذا التحول؛ لأنهم لم يوفِّروا للطفل حقَّه (الكامل) في الاحترام أثناء طفولته، وبالتالي: يحدث ارتباكًا بين الآباء والأبناء؛ نتيجةً للاحتياج إلى وضع قواعد جديدة للتعامل، مع مساحة إضافية من الحرية للأبناء في اتخاذ القرارات، وقد يكون الآباء مَكْمَنَ المشكلة؛ لأنهم غيرُ مستعدِّين لفهم هذا التغيير، ولم يجهزوا أبناءَهم له تَبَعًا للتدريج الشرعي، فهم كانوا - وما زالوا - مسؤولين عن أبنائهم، لا مسيطرين مقيدين.

فإن كان الطفل قد حصل على حقِّه في الاحترام منذ طفولته، وعرف ما له وما عليه في كل مرحلة، لصار التعامل مع هذه المرحلة محورُه فهمُ التغيرات في الشعور، والتركيز على المرور بها بسلام - إن شاء الله - من خلال النصح الإسلامي.

تواجه كثيرًا من الأسر مشكلات في هذه السن؛ نتيجةً لعدم تفهُّم الوالدين لاحتياجات وضوابط سن التكليف.

فينكر الأبوان على ابنهما أو بنتهما احتياجاتِهما، فيعتبرانهم غيرَ واعين، غير مكتملين، وغير ناضجين، فيقابلونهم بحرمان، أو إطلاق العِنان للممارسات غير المشروعة بدعوى (نصاحبهم ويعملون أمامي أفضل من ورائي).

وذاك أحدُ القوالب النمطيَّة التي تخنق الأمةَ وتُثْقِلُها، ولكَمْ عانى بسببها المسلمون من الرذائل.

المشكلة أنهما لم يعداه ليكون ناضجًا، ومكتملَ الفهمِ في هذه السن، فالخطأُ الأساسي يرجع إليهما.

فتُفاجِئُه احتياجات لم يعلم بها بهذه الصورة من قبلُ، فلا هو قادرٌ على التعايشِ معها كطفل ولا كبالغ.

فالأطفال لا يأبهون؛ لأنهم لا يشعرون بتلك التغيرات، والرجال والنساء - المكتملين مجتمعيًّا - يتفاعلون مع احتياجاتهم بالشكل مقبول من المجتمع.

أما هو، فيعيش حائرًا، فنضعه في إطار: لا هو غير مكلف فلا حرج عليه، ولا مكلَّف وله حقوق المكلفين، والواقع الإسلامي ليس كذلك، فالإسلام كفل حق الرحمة والاستيعاب لتلك الاحتياجات الناضجة.

و قد نجِدُ أنجح الأسر - مجتمعيًّا - في الغالب هي التي استطاعتْ تطويعَ ولدها على تناسي تلك المشاعر.

ونحتاج إلى وقفة هنا:
((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظَ، وعن الصبي حتى يحتلمَ، وعن المجنون حتى يعقلَ)).

الراوي: علي بن أبي طالب، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح أبي داود، الصفحة أو الرقم: 4403.

خلاصة حكم المحدث: صحيح.

الفاصل بين التكليف وعدمِه جاء في هذا الحديث واضحًا: ((وعن الصبيِّ حتى يحتلمَ)).

هنا نفهم أن الفهم والإدراك والعقل يتغير بالبلوغ.

أظنه من غير المنصف أن يصبح المسلم مكلَّفًا مسؤولاً عن الأعمال، وخاضعًا للعقوبات الشرعية، ومع هذا نَحرِمُه من حقوقه في الزواج، وقيادة الأمور... أليست التكليفات الإلهية له أعظم قدرًا؟!

أي إننا إن تعاملنا مع الأمر بفهم إسلاميٍّ نجدُ أن هذا الطفل يُربَّى على أن يكون رجلاً أو امرأة - كل حسب نوعه - منذ الطفولة، يلعَبُ ويمرَحُ، ولكن ليس العكس كما نفعل نحن، نربِّيهم على أنهم أطفال وغير مسؤولين، لا يعرفون عن معنى الرجولة والمروءة شيئًا، إلى حين يسمح لهم المجتمع بالزواج، فتظهر المسؤوليات على شكل أعباء.

الإشكالات تَكْمُنُ في تربيتنا له، فصار بالغًا وغير جاهز لإدارة بيت وأسرة، ومسؤوليات مجتمعيَّة أخرى، ونطلب منه مواصلةَ اللعب واللهو؛ ليتصبر إلى سن يرتضيها المجتمع، فيعيش غير متحمل للمسؤولية.

نرضى بنظراته المختطفة إلى الفتيات، أو تكبُّده مشقةَ الصبر على احتياجاته، ولكن لا نرضى أن يُغضب المجتمع ويتزوج دون السن والقدرات المادية التي ترضي الناس، أيُّهما أعظم في أنفسنا: غضب الله أم غضب الناس؟!

ومن المعايير الفاسدة أن يرى الطفلُ الكبار يفعلون ما هو غير مباح، ونمنعه بحجة أنه صغير، بمجرد أن يرى نفسه كبيرًا سيفعل، وليس لنا الحق أن نحزن أو نغضب حينئذٍ، فنحن مَن أفسَدَ المعيار.

الصحيحُ أن هناك ما هو ممنوع لأنه حرام، وما هو ممنوع لأنك لست جاهزًا بعدُ، كألاَّ تحمِلَ ما يفوق وزنك وقدرة عضلاتك من الأحمال، أو ما يفوق فهمَك لإدارة المواقف، ونضرب له الأمثلة.

ومن الراحة والرحمة التي حمَّلها الإسلام للوالدين - بل وللأمة بأسرها - أنه جاء بقواعد تصوغ شخصية الصغير وتُشكِّلها، وتعدها لما ينتظرها؛ فيعرف آداب الاستئذان، التطهر والغسل، العورات، حفظها، الغيرة على النساء، غض البصر، الإنفاق المعتدل، القيادة المسلمة... وغيرها.

هو الآن يفهم وجاهز، ما هي إلا نقاط وضعت على الحروف ببلوغه ذاك الحدث.

فيا لها من معاناة، تلك التي نتكبَّدها بسبب احترام نظرة مجتمع لا معيار له!
وبالتأمل في حال السابقين من قرون الفلاح والرشد، نجد - كمثال من كثير - علي بن أبي طالب قرر الدخول في الإسلام - بهدًى من الله - في ذاك العمر الصغير.

كيف يُسأل عن هذا وهو طفل - كما نرى الأطفال في منظورنا المعاصر -؟ لن يسأله أحد أصلاً، بل سيعتبره البعضُ تابعًا لا رأيَ له ولا يفهم شيئًا.

في حين أن هذا الطفل هو أنقى فكرًا، وأقرب إلى الفطرة، وأعطاه الإسلام حق الاختيار في أمور شتَّى.

ونؤكد أن الضابط في الاختيار في كل أمور الحياة - سواء كان المرء صغيرًا أم كبيرًا - ينبني في الأساس على قول الله تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

فلا اختيار بين معصية وطاعة، لا لكبير ولا صغير؛ لأن ذلك ليس بحق للمسلم بأي حال.

"ولكن ابني لم يكون نفسه بعد.. فكيف سيصرف على بيته، ما زال يأخذ مصروفه من والده؟!"
هنا الخطأ الكبير عندكم أيتها الأسرةُ الحريصة على مصلحة ابنها، ولماذا لا يعمل ما دام أنه صار بالغًا؟ لأنكم وضعتموه في قالب التعليم الذي ندركه جميعًا تقريبًا، وقالب آخر، وهو النظرة المجتمعية للإنفاق، يجب أن يمتلك كذا وكذا، ويتكلف نفقات كذا وكذا من طعام وملابس (لكي يستطيع تأسيس بيت)، وأين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم:
((اللهمَّ اجعلْ رزقَ آلِ محمدٍ قوتًا))؟

الراوي: أبو هريرة، المحدث: مسلم، المصدر: صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1055، خلاصة حكم المحدث: صحيح.

أن يجد ما يسد رَمَقَ أسرته، أن يجد جدرانًا تأويه وآل بيته - لَهو نعيم لا ندركه، ولكن سينظر له المجتمع نظرة وضيع الشأن.

ومع ذلك نجد ضابطًا شرعيًّا عظيمًا يعفي الأسرة من الحيرة في عدة أمور:
عن عبدالرحمن بن يزيد قال: دخلتُ مع علقمة والأسود على عبدالله، فقال عبدالله: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابًا لا نجِدُ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشرَ الشباب، من استطاع الباءة فلْيتزوَّجْ؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطعْ فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاءٌ)).

الراوي: عبدالله بن مسعود، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 5066.
خلاصة حكم المحدث: صحيح.

إذًا الأصل هو أن يتزوج، إلا من لم يستطع، وهنا الأمر لا يتوقف على المال فقط، فقد لا يجد أسرة طيبة، أو يكون مريضًا، أو لا يجد من يرضون به، وغيرها من الأسباب.

فليس علينا سوى توجيهه من داخل شريعة الإسلام، والله قادر على حفظه، فقد أنزل الله ما يعلم أنه الأصلح لنا ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير ﴾ [الملك: 14].

ونجد كذلك النهي عن التبتُّلِ، وأن بعض الصحابة كان يرى أنه لا يمكنه التبتُّل مطلقًا، بل إن كان مباحًا لاتخذوا له أدواتِه ليقدروا عليه:
(كان يأمرُ بالباهِ، وينهى عن التَّبَتُّلِ نهيًا شديدًا).

الراوي: أنس بن مالك، المحدث: السيوطي، المصدر: الجامع الصغير، الصفحة أو الرقم: 6944.

خلاصة حكم المحدث: حسن.
(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التَّبتُّلِ).

الراوي: عائشة أم المؤمنين، المحدث: البخاري، المصدر: العلل الكبير، الصفحة أو الرقم: 153.
خلاصة حكم المحدث: حسن.

لقد رد ذلك - يعني: النبيَّ صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مَظْعون، ولو أجاز له التَّبتُّلَ لاخْتَصَيْنَا.

الراوي: سعد بن أبي وقاص، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 5074، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
خلاصة القول:
ارحموهم؛ فهم أمانة في أعناقكم:
((الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)).

الراوي: عبدالله بن عمرو، المحدث: ابن حجر العسقلاني، المصدر: الإمتاع، الصفحة أو الرقم: 1/62، خلاصة حكم المحدث: حسن.

من هذا المنظور نفهم الكثير من الأحداث في السيرة النبوية فهمًا غير مرهقٍ للنفس عن أن ننظر لها من داخل فهم وقياسات المجتمع الحالي.

فهلا أرحتم أبناءَكم من عناء القوالب المستوردة! هلا ألنتم أفكارَكم وطوعتموها للإسلام، لا إلى قياساتِ المجتمعِ الذي لم يَعُدْ له معيار يزن به أمره!

غفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات