آخر المواضيع

mercredi 11 février 2015

حنان الآباء

حنان الآباء


(1)
كان إبراهيمُ الخليلُ يزور ابنه إسماعيل في مكة بين حينٍ وآخر.

ويحدِّثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم –كما في "صحيح" البخاري-أنه جاء مرة (وإسماعيل يبري نبلًا له تحت دوحةٍ قريبًا من زمزم. فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالدُ بالولد والولدُ بالوالد).

تأملوا في هذا التعبير النبوي، وانظروا كم اختزل من مشاعر عطف اﻷب تُجاه ابنه بعد الغياب، ومشاعر اﻻبن البار تُجاه أبيه!

وكأن الله تعالى جلّى الموقف لنبيه فرآهما وهما يعتنقان تحت شجرةٍ قرب زمزم، ونقل لنا هذا المشهد الحنون.
صلى اللهُ وسلَّم عليهم جميعًا.
◘ ◘ ◘ ◘

(2)
جاء في "التعازي والمراثي" للمُبرِّد ص146-147:
"قال الحسنُ بن عمارة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة قالت:
لما مات عبدُ الله بن أبي بكر وَجَدَ عليه أبو بكر وجداً شديداً.
ثم دخل عليَّ فقال: يا عائشة، واللهِ لكأنما أخِذَ بأذن شاةٍ من دارنا فأُخرِجتْ.
[يقصد أن الله خفَّف عليه شدة الفراق، خفةَ إخراجِ شاةٍ من الدار].
فقلتُ: الحمدُ لله الذي عزمَ لك على رشدك، وربطَ على قلبك.
قالتْ: ثم جاء بعد ذلك فقال: أي بنية، أتخافين أن تكونوا دفنتم عبدَ الله وهو حي؟ فقلتُ: استعذْ بالله يا أبه.
فقال: أستعيذُ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، أي بنية، إنه ليس أحد إلا وله من الشيطان لمّة.
فرثته عاتكة امرأته، وهي ابنة زيد بن عمرو بن نفيل فقالت:
فآليتُ لا تنفكّ عيني سخينةً = عليك وجلدي آخرَ الدّهر أغبرا".
وقد توفي عبد الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين ليلة.

وانظر: الخبر في "المستدرك" (3/543) برقم (6021)، وفي السند الهيثم بن عدي وهو واه كما قال ابن حجر في "الإصابة" (4/27-28)، وانظر: "حياة الصحابة" (3/463).

واللمة: الخطرة تقع في القلب. كما في "النهاية" (4/273).
◘ ◘ ◘ ◘

(3)
وعن الفهري عن أبيه قال: كان عمر بن عبد العزيز يقسم تفاح الفيء، فتناول ابنٌ له صغيرٌ تفاحة، فانتزعها مِنْ فمه فأوجعه، فسعى إلى أمّه مستعبرًا، فأرسلتْ إلى السوق فاشترتْ له تفاحًا، فلما رجع عمرُ وجدَ ريحَ التفاح فقال: يا فاطمة هل أتيتِ شيئًا من هذا الفيء؟

قالت: لا. وقصَّتْ عليه القصة.
فقال: والله لقد انتزعتُها من ابني لكأنما نزعتها عن قلبي، ولكن كرهتُ أن أضيع نصيبي من الله عز و جل بتفاحةٍ من فيء المسلمين.
ينظر: "صفة الصفوة" (2/120).
◘ ◘ ◘ ◘

(4)
قال ابن أبي الدنيا في كتابه "العيال" (1/324): "حدثنا أبو هشام، حدثنا ابن يمان قال: سمعت سفيان يقول: ما في الأرض أحب إليَّ من سعيد، وما في الأرض أحد يموت أحب إلي منه. فمات، فرأيته يبكي، فقلت: تبكي وقد كنت تمنّى موته؟!

قال: أذكرُ قولَهُ: آه جَنْبِي".
◘ ◘ ◘ ◘

(5)
روى إبراهيمُ بن إسحاق أن الخليفة المتوكل على الله العباسي أخذ الرجلَ العلوي الذي سعى بالإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل إلى السلطان (أي وشى به)، وأرسله إلى أبي عبد الله ليقول فيه مقالة للسلطان (بما يشبه الفتوى في أمر الواشي الكاذب، وكأن السلطان عزم على قتله) فعفا الإمامُ أحمدُ عنه وقال: لعله يكون له صبيانٌ يُحزنُهم قتلُه...

ينظر: "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي ص221.
◘ ◘ ◘ ◘

(6)
غضب الخليفة الناصر العباسي على اﻹمام ابن الجوزي عام 590 للهجرة، فنفاه من بغداد، وفرض عليه إقامة جبرية في واسط، وكان الشيخ في الثمانين من عمره أو يزيد.

وأقام في واسط خمسَ سنين في غربة شديدة ومحنة ثقيلة...ﻻ مجال لتفصيل الحديث عنها.

قال الإمامُ ابن رجب في ترجمة الشيخ في "ذيل طبقات الحنابلة" (2/505) نقلًا عن ابن القادسي:
"وذُكِرَ عنه أنه قال: قرأتُ بواسط مدةَ مقامي بها كلَّ يوم ختمة، ما قرأتُ فيها سورة يوسف من حزني على ولدي يوسف.

والذي ذكره أبو الفرج بن الحنبلي عن طلحة العَلثِي: أنَّ الشيخ كان يقرأ في تلك المدة ما بين المغرب العشاء ثلاثة أجزاء، أو أربعة من القرآن".

ولم يُصرَّح باسم القائل الأول، أما طلحة العلثي فهو تلميذ الشيخ، ولعل نقله أدق، ولعل ما ذُكِرَ أن الشيخ لم يقرأ سورة يوسف كان منه في بعض الختمات حين يشتد الحنين، ويثور الشوق، وتحتدم الشفقة على ولده (يوسف) الذي خلفه في بغداد وهو في العاشرة من عمره!

وقد ولد يوسف هذا سنة 580هـ، وقتله هولاكو سنة 656هـ، وكان من أعيان عصره الكبار.
◘ ◘ ◘ ◘

(7)
حجَّ الفقيه الكبير محمد أمين ابن عابدين في حياة أبيه، وفي مدة غيابه لم يدخل أبوه عُمَرُ إلى داخل البيت، وكان ينام في في دار خارجية (لعلها معدة للضيوف) وكأنه لا يستطيع أن ينظرَ إلى سرير ابنه وهو فارغ.

قال الشيخ محمد علاء الدين في ترجمة والده الفقيه محمد أمين في "قرة عيون الأخيار" (11/12-13):
"وكان والده (عمر) -رحمه الله تعالى- شفوقًا عليه، ويحبه محبة تامة، حتى إنه لما حجَّ سيدي سنة خمس وثلاثين [ومئتين] امتنع والدُه من دخول داره الجوانية مدة غياب سيدي، ولم ينم على فراش تلك المدة -وهي أربعة أشهر- بل بقي نائمًا في داره البرانية".

وفي معنى آخر حدَّثني الأخُ الكريمُ الفاضلُ الشيخُ الدكتور قطب عبد الحميد قطب مستشار الوعظ والإرشاد في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي أنه إذا سافر أحدُ أبنائه فإنه ينامُ في فراشه تشوقًا إليه والتماسًا لرائحته.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات