آخر المواضيع

mercredi 11 février 2015

أبناؤنا في ساحات الفساد

دارت رحى النقاش.. دورة لم تكتمل

دارت رحى نقاشٍ أشبه ما يكون بالجدالِ أو المراء العقيم المذموم، بين زمرةٍ من الطلبةِ والموظفين في موضوعِ التربية، هذا الموضوع الذي كنتُ وما زلت أشتغلُ عليه بحثًا ونقدًا وتحليلاً.

رأى بعضُ الحضورِ أنَّ صلاحَ الأبناء مستحيلٌ في ظلِّ واقع محيط فاسد بائر، فلات حين مناص من جريانِ الأطفالِ في ساحات الفساد، فالمحيطُ سيلتهمهم ليعجنَهم عجنًا فيخرجوا نسخةً طبقًا للأصلِ المتوافر في الساحة.

ورأى آخرون أنَّ إمكانياتِ الصلاح واردة رغم فسادِ الواقع المحيط، فاشتدَّ حبلُ الجدالِ بين الفريقين، فحاولتُ التدخلَ لأدْلي بدلوي في بئرِ الموضوع العميق، بما كتب لي الله من العلمِ في المسألة، فما كدتُ أستطيع، فأطرقتُ وعطلت كلَّ جوارحي ما خلا سمعي، فقد كان متتبعًا لمجرياتِ المطاف، فما كلَّ ولا ملَّ.

وفي هذه الأحيانِ ضمَّ أحدُ المتحاورين يدَه إلى جيبِه فانتزع منه (سجارة)، فبادرته بالسؤال: ماذا تفعلُ يا فلان وأنت الآن تحدِّثُنا عن التربيةِ ومناهجها وطرائقها؟! قال إنَّما أريدُ تدخينَ هذه (السيجارة)! قلت: إذا كان هذا فعلك، وأنت من يدَّعي التربية؛ فماذا كان سيكون فعل ابنِك؟!

نطق أحدُ الحضورِ قائلاً متهكِّمًا مستهزئًا: ابنُه سيدخن المخدِّرات، سيشربها شربًا ويلتهمها التهامًا.

قال غاضبًا: لن يفعلَ ابني ذلك إطلاقًا، سأؤدبه الأدبَ الحسن، وأعلِّمُه العلمَ النَّافع، وأحقنه بمضاداتِ جرثومة التدخين حصانة له، إنَّ نظريتي في التربيةِ هي تفكيك نسق الفساد من خلال قوى الصَّلاح، بل أبعد من ذلك؛ إحلال الصلاح محل الفساد، أساسي في ذلك التنبؤ بالفسادِ المقبل وصنع مضاداته.

قال آخر رادًّا على قولِه: ومن يدريك أنَّ الفسادَ سيستمرُّ في الوجودِ غدًا وبعده؟

فشاطرته الجماعةُ الرأي، فتدخلت على التَّوِّ قائلاً: الذي يظهرُ أنَّ الفسادَ في ازدياد، لكن ليس كل ما يظهر سيستمرُّ، فقد يُحدث الله أسبابًا تقلب الواقعَ المحيط رأسًا، فيعم خيرٌ ما رأينا مثلَه قط.

إنَّ الحريصَ على التربيةِ الحسنة في أيامنا هذه يسبحُ ضدَّ التيار، وقد يُوصم بالجنونِ والحمق، وسيحيى غريبًا وسط قومه، وسيكون مهدَّدًا مهدِّدًا، وكل مَن خالف سَيْرَ القطيعِ سيؤول المآل نفسه.

نطق أحدُهم قائلاً: قولُك غيرُ صحيح، بعيد عن الصوابِ بُعدَ سمائها عن أرضِها.

فقلت: كلامي كسائرِ الكلام؛ يُؤخذ منه ويرد، فردَّ قائلاً: كلامُك يرد ردًّا، ولا يؤخذ أخذًا، فإنَّك الذي تقولُ ما لا تفعل.

ففهمتُ قصدَه أي فهم، فقلت: أحقُّ قولك؟ حقًّا حقًّا، فطأطأت رأسي وانسلختُ من العصابةِ انسلالَ الليلِ من النهار، فتذكرتُ أنَّ قلمَ أحدِهم ما زال عالقًا بين إبهامي وسبابتي ووسطاي، فألقيتُ به وسطَهم وانصرفتُ وفي نفسي أمور كثيرات:
 هل المتلقِّي القارئ راضٍ عني؟
 هل انسللتُ في الوقت المناسب؟
 هل سيفرحُ القارئ لعملياتِ ملء البياضات؟

كلها أسئلة راودتني مراودةَ امرأةِ العزيز يوسف - عليه السلام - تجرني من هنا وهناك، فأعرضتُ بوجهي عنها، لكن سرعان ما عدت، وليس كل عود بمأمون الغِبِّ.

أقول قولي هذا، وأستغفر اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمين والمسلمات، والسَّلامُ عليكم ورحمةُ الله تعالى وبركاته.

اللهم قوِّنا بالإيمانِ والعلم.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات