آخر المواضيع

mercredi 11 février 2015

الشباب والزواج

عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((تُنكَح المرأةُ لأربعٍ: لمالها، ولحسَبِها، ولجمالها، ولدِينها، فاظفَرْ بذات الدِّين تربَتْ يداك))؛ رواه البخاري رقم 5090، ومسلم 1466، وأبو داود 2047، وابن ماجه 1858، والنسائي 6/68، وأحمد 2/428.

لقد ذكَر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الصفات التي يُطلَب توافُرها في المرأة، وقرَّر - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنها أربع؛ وهي: الحسب، والمال، والجمال، والدِّين، وأوصى باختيار ذات الدِّين.

ولكنَّ كثيرًا من الناس اليوم جعَلُوا المال والجمال في أوَّل القائمة، سَواء في ذلك الزوج والزوجة، وقد يضمُّون إلى المال والجمال المستوى الثقافيَّ؛ لأنَّ له ارتباطًا في كثيرٍ من الأحيان بالناحية الماديَّة.

ثم وضَعُوا عقَباتٍ كثيرةً أمام الزواج، منها المغالاة في المهور.

نعم؛ إنَّ كثيرًا من الناس يبحَثُون فيمَن يُرِيدون أنْ يتزوَّجوا منهنَّ أو منهم عن الجمال والمال أولاً، والمال لا يجلب السعادة، وهو ظلٌّ زائل، والحسَب الرفيع إنْ لم يكن معه الدِّين والخلق كان مَدْعاةً لازدِراء الآخَرين واحتقارِهم، ورسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((بحسْب امرئٍ من الشرِّ أنْ يحقِرَ أخاه المسلم))؛ رواه مسلم رقم 2563، 2564.

والجمال سرعان ما يَزوِي في الرجل والمرأة، ولا يَبقَى إلا الخلُق الحسن، والتديُّن السليم، وقد وصَلتُ بحكم قيامي بالإصلاح بين الأزواج إلى حقيقةٍ لا يعرفها كثيرٌ من الناس، وهي أنَّ نسبة السُّعَداء من أزواج الحسناوات نسبة قليلة؛ إذ غالبًا ما تكونُ الحسناء معجبةً بنفسها وبجمالها؛ لأنَّ الجميلات في الدنيا قليل، فتتكبَّر على زوجها، وتطلُب منه المطالب الجمَّة التي تعجز قُدرَته عن تحقيقها؛ فيكون النكد، وتكون المشكلات والخصومات.

وأودُّ أنْ ننظر في أمر الزواج عند السلف الصالح؛ لنرى كيف كان ميسرًا بسيطًا؟ لقد زوَّج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الرجلَ الذي لم يكنْ يملك إلا إزارَه، ولم يقدرْ على خاتمٍ من حديدٍ، ومع ذلك زوَّجه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تلك المرأةَ وجعَلَ صَداقها عليه أنْ يُعلِّمها ما معه من القُرآن.

ولنذكُر القصة كما وردَتْ في البخاري ومسلم: عن سهل بن سعدٍ الساعدي - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ وقال: يا رسول الله، زوِّجني هذه المرأة، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وهل عندك من شيء؟))، قال: لا والله يا رسول الله، قال: ((اذهب إلى أهلك فانظُر هل تجد شيئًا؟))، فذهب ثم رجع، فقال: لا والله ما وجدتُ شيئًا، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((انظُر ولو خاتمًا من حديد))، فذهب ثم رجَع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتمًا من حديد، ولكن هذا إزاري - قال سهلٌ راوي الحديث من الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين: ما له رداءٌ - فلها نصفُه، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما تصنعُ بإزارك، إنْ لَبِسْتَه لم يكنْ عليها منه شيء، وإنْ لبسَتْه لم يكنْ عليك منه شيء))، فجلس الرجل، حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مُولِّيًا فأمر به فدُعِي، فلمَّا جاء قال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ماذا معك من القُرآن؟))، قال: معي سورة كذا وسورة كذا - عدَّدها - فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تقرَؤُهن عن ظهْر قلْب؟))، قال: نعم، قال: ((اذهبْ فقد ملَّكتُكها بما معك من القُرآن))؛ رواه البخاري برقم 5087، ومسلم 1425، وأبو داود 2111، وابن ماجه 1819، والترمذي 2/183 برقم 1114.

وقد قال سيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ألاَ لا تغالوا صدقات النساء؛ فإنها لو كانت مَكرُمة أو تقوى عند الله، لكان أَوْلاكم بها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما عَلِمنا رسول الله نكَح شيئًا من نسائه ولا أنكح شيئًا من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية.

رواه الترمذي برقم 1114، وأبو داود 2106، وابن ماجه 1887، والنسائي 6/96، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح... والأوقية عند أهل العلم: أربعون درهمًا، وثنتا عشرة أوقية: أربعمائة وثمانون درهمًا".

أقول: وليس تحديد المهور وحدَه كافيًا، بل لا بُدَّ من القُدوة الحسنة من أولي الأمر والجاه والعلم في الأمَّة، لا بُدَّ من إيثار البساطة والتخفيف في الحفلات والولائم، والملابس والهدايا... وما إلى ذلك.

ولقد كان وعْي السَّلَف الصالح برِجاله ونِسائه لِمُواصفات الزوجة الصالحة وعيًا عميقًا يتبعه العمل؛ فرأوا أنَّ الدِّين هو الذي ينبغي أنْ يطلُبَه الرجل في زوجته، وهو الذي ينبغي أنْ تطلُبَه المرأة في زوجها؛ عملاً بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فاظفَرْ بذات الدِّين تَرِبَتْ يَداك))، وعملاً بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا جاءَكم مَن ترضَوْن دِينه وخُلقه فزَوِّجوه، إلا تَفعَلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفَساد عَرِيض))؛ أخرَجَه الترمذي برقم 1085، وابن ماجه برقم 1967، والحاكم 2/165.

نعم؛ لقد امتَثَلَ السلف الصالح هذا التوجيهَ النبويَّ الكريم، فاحرِصُوا يا شَباب الإسلام ويا فَتياته على المتديِّن والمتديِّنة؛ لتسعَدُوا في حياتكم الدنيا، ولينشأ أولادُكم على الدِّين الحقِّ، وعلى السلوك المستقيم، وعلى الخلُق الحسن، وعلى حبِّ الله وحبِّ رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلى الخوف من الله، ولننظُر في هذه الحادثة التي كانت في حَياة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ففيها عظةٌ وعبرةٌ.

عن أنسٍ قال: كان رجلٌ من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُقال له: جُلَيبيب في وجهه دمامة، فعرض عليه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنْ يتزوَّج، فقال: إذًا تجدني كاسدًا، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((غير أنَّك عند الله لست بكاسد))، فخطَب النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على جُلَيبيب امرأةً من الأنصار إلى أبيها، فقال: حتى أستأمرَ أمها، قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ((فنعم إذًا))، فانطَلَق الرجل إلى امرأته، فذكَر ذلك لها، فقالت: لا والله، إذًا ما وجَد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلاَّ جليبيبًا، وقد منعناها من فلان وفلان، لعمر الله لا أزوِّج جليبيبًا، قال: والجارية تستمع، فانطَلقَ الرجل يريد أنْ يُخبِر النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بذلك، فقالت الجارية: أتُرِيدون أنْ تردُّوا على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمرَه؟ إنْ كان رضيه لكم، فأنكِحوه.

فكأنها جلت عن أبوَيْها (أي: أوضحَتْ أمرًا خفي عليهما)، وفي رواية البزَّار: فكأنها حلت عن أبوَيْها عقالاً.

فذهب أبوها إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: إنْ كنتَ قد رضيتَه فقد رضيناه، وكان زَواجًا سعيدًا، ثم استُشهِد... فوقف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((قتَل سبعة ثم قتَلُوه، هذا منِّي وأنا منه)).

قال ثابت البناني - أحد رُواة الحديث -: فما كان في الأنصار أيِّم أنفَقَ منها، ودعا لها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((اللهمَّ صُبَّ عليها الخير صَبًّا، ولا تجعَلْ عيشَها كدًّا كدًّا))؛ رواه أحمد في "المسند" 3/136 عن أنسٍ، ورواه عن أبي برزة في 4/422، 425.

هذا، ومن السنَّة أنْ ينظُر الخاطب إلى المخطوبة، وهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا بشرط ألاَّ تكون خلوةً.

قال المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أتيتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فذكرت له امرأةً أخطُبُها، فقال: ((اذهب فانظُر إليها؛ فإنَّه أحرى أنْ يُؤدَم بينكما))، وفي رواية: ((فإنَّ في أعيُن الأنصار شيئًا)).

قال: فأتيت بيتًا من الأنصار، فخطبتُها إلى أبوَيْها، وخبَّرتهما بقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكأنما كَرِهَا ذلك.

فسمعت المرأة ذلك وهي في خِدرِها، فقالت: إنْ كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمرَكَ أنْ تنظُر، فانظُر، وإلا فإني أنشدك، كأنها أعظمت ذلك.

قال: فنظرت إليها فتزوَّجتها... وذكر من موافقتها.

أخرجه أحمد في "المسند" 4/244 و245، والترمذي برقم 1087، وابن ماجه 1866، والنسائي 6/69.

وفي "صحيح مسلم" برقم 1424 عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه - قال: خطَب رجلٌ امرأةً من الأنصار فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هل نظَرتَ إليها؟)) قال: لا، فأمره أنْ يَنظُر إليها.

وقد سمعنا إخْفاقَ زواج عددٍ من الناس؛ لأنَّ الزوج فُوجِئ ليلةَ الدُّخول بما لم يكنْ يتوقَّع.

هذا، ولا يجوز أنْ يكون هناك تغريرٌ لا من الخاطب ولا من المخطوبة؛ كوضْع العدسات، وصبغ الشعر، وإخفاء ضعْف البصر، وإخفاء مرض مُعدٍ... وما إلى ذلك.

هذا، ومن المستحسَن أنْ نذكُر فتوى الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - المنشورة في "مجلة الدعوة" بتاريخ 20/8/1416 في العدد 1525، فقد قال - رحمه الله -: "فإذا كشَفتْ له وجهها ورأسها فلا بأسَ على الصحيح، وقال بعض أهل العلم: يَكفِي الوجه والكفَّان، ولكنَّ الصحيح أنَّه لا بأس أنْ يرى منها رأسَها وكفَّيها وقدمَيْها؛ للحديث المذكور، ولا يجوز ذلك مع خلوةٍ بها، بل لا بُدَّ أنْ يكون معها أبوها أو أخوها أو غيرهما...".

والحمد لله ربِّ العالمين.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات