آخر المواضيع

mercredi 11 février 2015

أَبْنَاؤُنَا وَالاخْتِبَارَاتُ

أَبْنَاؤُنَا وَالاخْتِبَارَاتُ


الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أحمدُهُ تعالَى حمدًا طيبًا مُباركًا فيهِ كمَا يُحبُّ ويرضَى، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا محمداً عَبدُ اللهِ ورسولُهُ وصفِيُّهُ مِنْ خلقِهِ وخليلُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، وعلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.

أمَّا بعدُ:
فأُوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفسِي بتقوَى اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ تعالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾[1].

أيهَا المؤمنونَ:
نعمةُ الأولادِ مِنْ أعظمِ النِّعَمِ التِي امْتَنَّ اللهُ سبحانَهُ بِهَا علينَا، فهُمْ زِينةُ الحياةِ وثمرةُ الفؤادِ، قالَ تعالَى: ﴿ المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [2] فالأولادُ فرحةُ آبائِهِم صِغاراً، وعونُهُمْ كِباراً، يحملونَ أسماءَهُمْ، ويرفَعُونَ ذِكْرَهُمْ، وتقَرُّ العيونُ برؤْيَتِهِمْ، وتبتهِجُ النفوسُ بمحادثَتِهِمْ، ويَطيبُ العيشُ بِأُنْسِهِمْ، ويحلُو العمرُ برفقَتِهِمْ، وتُعَلَّقُ الآمالُ عليهِمْ، وقَدْ دعَا إبراهيمُ عليهِ السلامُ ربَّهُ قائلاً: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ* فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ﴾ [3].

ودعَا نبِيُّ اللهِ زكريَا عليهِ السلامُ ربَّهُ فقالَ: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾[4].

والولدُ الصالِحُ ذُخْرٌ لوالدَيْهِ فِي الدَّارَيْنِ، قَالَ - صلى الله عليه وسلم -:« إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»[5].

ومِنْ أبرزِ سِماتِ الولدِ الصالِحِ تربيَتُهُ علَى العلمِ النافعِ، فبالعلمِ تسمُو الأُممُ، وبالجدِّ والعملِ تُوقَظُ الهمِمُ، فالمتعلمُ يرتقِي فِي الدرجاتِ، وتستغفِرُ لهُ الكائناتُ، فالعلمُ نورٌ يطردُ الظلامَ، ويرسمُ السلامَ، ولذَا فقَدْ كانَتْ أوَّلُ كلمةٍ تلقَّاهَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هيَ قولُهُ تعالَى: ﴿ اقْرَأْ ﴾[6].

عبادَ اللهِ:
يستعِدُّ أبناؤُنَا فِي هذهِ الأيامِ للاختبارِ والامتحانِ، ليجنُوا ثمارَ عامٍ مِنَ الجدِّ والاجتهادِ، ونذكِّرُ الطلابَ والطالباتِ، فِي المدارسِ والجامعاتِ أَنْ يتمسَّكُوا بالتقوَى، فهيَ الطريقُ إلَى جنةِ المأوَى، وهيَ النجاةُ إذَا تعسَّرَتِ الأُمورُ، والمخرَجُ إذَا ضاقَتِ الصدورُ قالَ سبحانَهُ: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾ [7].

وتستلزِمُ التقوَى أَنْ يُحسِنَ الطالبُ التعرُّفَ علَى اللهِ، وأَنْ يكونَ فِي الرخاءِ والشدَّةِ معَ مولاَهُ، فقَدْ جاءَ فِي الحديثِ:« تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِى الشِّدَّةِ»[8]. فمَنْ كانَ معَ اللهِ تعالَى فِي كُلِّ أحوالِهِ كانَ اللهُ حسيبَهُ، ووهَبَهُ التوفيقَ والسدادَ فِي دراستِهِ، وكتَبَ لَهُ الفوزَ والرشادَ فِي امتحاناتِهِ، ونفعَ بهِ مجتمعَهُ وبلادَهُ.

ومِمَّا يُعينُ الطالبَ علَى النجاحِ التوكُّلُ علَى ربِّ الأربابِ، ومُراعاةُ الأخذِ بالأسبابِ، قالَ عزَّ وجلَّ: ﴿ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [9] فبالتوكُّلِ علَى اللهِ تعالَى معَ الاجتهادِ فِي الدراسةِ والمذاكرةِ يتحقَّقُ الفلاحُ، وبالهمةِ والإصرارِ يأتِي النجاحُ، وكانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُوصِي ابنتَهُ السيدةَ فاطمةَ رضيَ اللهُ عنهَا أَنْ تقولَ:« يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ»[10].

أيهَا المسلمونَ:
ومِنْ حُسْنِ التوكُّلِ علَى اللهِ تعالَى والأخذِ بالأسبابِ أَنْ يغتنِمَ الطلابُ والطالباتُ وقتَ الصباحِ فِي مذاكرتِهِمْ، لأنَّهُ وقتُ البركةِ لنشاطِهِمْ، ولذلكَ كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يدعُو ويقولُ:« اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا»[11].

ولا ينْسَى الطالبُ أَنْ يستعِدَّ لامتحانِهِ بذكْرِ اللهِ تعالَى فيدعُوَ بدعاءِ نبِيِّ اللهِ موسَى عليهِ السلامُ: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [12].

فإذَا تعسَّرَتْ عليهِ مسألةٌ دعَا بدُعاءِ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -:«اللَّهُمَّ لاَ سَهْلَ إِلاَّ مَا جَعَلْتَهُ سَهْلاً»[13].

وليحرِصْ طلبتُنَا الأعزاءُ علَى احترامِ العلمِ، وتقديرِ مكانةِ الكتابِ، فلاَ يمزقُوهُ ولاَ يتلفُوهُ أَوْ يُهينُوهُ، وليتجنَّبُوا وَضْعَهُ فِي مكانٍ لاَ يليقُ، لأنَّهُ لاَ يخلُو مِن اسمِ اللهِ تعالَى، قالَ عزَّ وجلَّ: ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ ﴾ [14].

اللهُّمَ وفِّقْ أبناءَنَا وبناتِنَا للنجاحِ، واكتُبْ لَهُمُ الفوزَ والفلاحَ، واجعَلِ الخيرَ والبركةَ فيهِمْ، ووَفِّقنَا وإيَّاهُمْ لطاعتِكَ وطاعةِ مَنْ أمرْتَنَا بطاعتِهِ، عملاً بقولِكَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ [15].

نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ - صلى الله عليه وسلم - أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ، فاستغفِرُوهُ إنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.

المصدر: خطب الجمعة من الإمارات - الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات